كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 33)
شُرُوطِهِ، لَكِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِ عَزْلِهِ لِلْقَاضِي دُونَ مُوجِبٍ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ قَوْل الْحَنَابِلَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الإِْمَامَ إِذَا عَزَل الْقَاضِيَ وَقَعَ الْعَزْل، لَكِنَّ الأَْوْلَى عَدَمُ عَزْلِهِ إِلاَّ لِعُذْرٍ، فَلَوْ عَزَلَهُ دُونَ عُذْرٍ فَإِنَّهُ يَتَعَرَّضُ لإِِثْمٍ عَظِيمٍ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ الْعَزْل بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَال: " لأََعْزِلَنَّ أَبَا مَرْيَمَ، وَأُوَلِّيَنَّ رَجُلاً إِذَا رَآهُ الْفَاجِرُ فَرِقَهُ (1) ، فَعَزَلَهُ عَنْ قَضَاءِ الْبَصْرَةِ، وَوَلَّى كَعْبَ بْنَ سَوَّارٍ مَكَانَهُ، وَوَلَّى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَبَا الأَْسْوَدِ ثُمَّ عَزَلَهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْكَاسَانِيُّ أَنَّ عَزْل الإِْمَامِ لِلْقَاضِي لَيْسَ بِعَزْلٍ لَهُ حَقِيقَةً، بَل بِعَزْل الْعَامَّةِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ تَوْلِيَتَهُ بِتَوْلِيَةِ الْعَامَّةِ، وَالْعَامَّةُ وَلَّوْهُ الاِسْتِبْدَال دَلاَلَةً لِتَعَلُّقِ مَصْلَحَتِهِمْ بِذَلِكَ، فَكَانَتْ وِلاَيَتُهُ مِنْهُمْ مَعْنًى فِي الْعَزْل أَيْضًا فَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَزْل وَالْمَوْتِ، وَلاَ يَمْلِكُ الْقَاضِي عَزْل نَائِبِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي تَعْيِينِهِ لأَِنَّهُ نَائِبُ الإِْمَامِ، فَلاَ يَنْعَزِل بِعَزْلِهِ مَا لَمْ يَكُنِ الإِْمَامُ قَدْ أَذِنَ لَهُ بِاسْتِبْدَال مَنْ يَشَاءُ فَيَمْلِكُ عَزْلَهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ عَزْلاً مِنَ الْخَلِيفَةِ لاَ مِنَ الْقَاضِي.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ مِنْهُ خَلَلٌ فَلِلإِْمَامِ عَزْلُهُ، قَال فِي الْوَسِيطِ: وَيَكْفِي فِيهِ
__________
(1) أثر عمر " لأعزلن أبا مريم. . . " أخرجه البيهقي (10 / 108) .
غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ خَلَلٌ نُظِرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، لَمْ يَجُزْ عَزْلُهُ، وَلَوْ عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِل، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ صَالِحٌ نُظِرَ إِنْ كَانَ أَفْضَل مِنْهُ جَازَ عَزْلُهُ وَانْعَزَل الْمَفْضُول بِالْعَزْل، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْعُزْلَةِ بِهِ مَصْلَحَةٌ مِنْ تَسْكِينِ فِتْنَةٍ وَنَحْوِهَا، فَلِلإِْمَامِ عَزْلُهُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَمْ يَجُزْ، فَلَوْ عَزَلَهُ نَفَذَ عَلَى الأَْصَحِّ مُرَاعَاةً لِطَاعَةِ السُّلْطَانِ، وَمَتَى كَانَ الْعَزْل فِي مَحَل النَّظَرِ، وَاحْتَمَل أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، فَلاَ اعْتِرَاضَ عَلَى الإِْمَامِ فِيهِ، وَيُحْكَمُ بِنُفُوذِهِ، وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ تَوْلِيَةَ قَاضٍ بَعْدَ قَاضٍ هَل هِيَ عَزْلٌ لِلأَْوَّل؟ وَجْهَانِ وَلِيَكُونَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى أَنَّهُ هَل يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ قَاضِيَانِ (1) .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَنْعَزِل بِعَزْل الإِْمَامِ دُونَ مُوجِبٍ لأَِنَّ عَقْدَهُ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ يَمْلِكُ عَزْلَهُ مَعَ سَدَادِ حَالِهِ، وَنَقَل الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ الْقَوْل بِأَنَّ الإِْمَامَ لَيْسَ لَهُ عَزْل الْقَاضِي مَا كَانَ مُقِيمًا عَلَى الشَّرَائِطِ لأَِنَّهُ بِالْوِلاَيَةِ يَصِيرُ نَاظِرًا
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 16، وحاشية الدسوقي 4 / 133، 134، 137، ومغني المحتاج 4 / 383، وأدب القضاء لابن أبي الدم الحموي ص 93، 94، وأدب القاضي للماوردي 1 / 180، والمغني لابن قدامة 9 / 100، 103، وكشاف القناع 6 / 293، 294، وروضة الطالبين 11 / 126.
الصفحة 322