كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 33)

عَلَى ذِي الْيَدِ الْحَاضِرِ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا عَلَى الْغَائِبِ أَيْضًا (1) .
وَصَرَّحُوا بِأَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي أُقِيمَتْ فِي مُوَاجَهَةِ وَكِيلِهِ إِذَا حَضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ بِنَفْسِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الأَْمْرُ بِالْعَكْسِ (2) .
وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ الْبَعِيدِ جِدًّا بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَتَزْكِيَتِهَا، وَذَلِكَ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ مِنَ الْمُدَّعِي، أَمَّا قَرِيبُ الْغَيْبَةِ فَكَالْحَاضِرِ عِنْدَهُمْ، قَال الدَّرْدِيرُ: وَقَرِيبُ الْغَيْبَةِ كَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةِ مَعَ الأَْمْنِ حُكْمُهُ كَالْحَاضِرِ فِي سَمَاعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَالْبَيِّنَةِ، وَالْغَائِبُ الْبَعِيدُ جِدًّا يُقْضَى عَلَيْهِ فِي كُل شَيْءٍ بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَتَزْكِيَتِهَا بِيَمِينِ الْقَضَاءِ مِنَ الْمُدَّعِي، أَنَّ حَقَّهُ هَذَا ثَابِتٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَنَّهُ مَا أَبْرَأَهُ، وَلاَ وَكَّل الْغَائِبُ مَنْ يَقْضِيهِ عَنْهُ، وَلاَ أَحَالَهُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ فِي الْكُل وَلاَ الْبَعْضِ (3) .
وَالْعَشَرَةُ الأَْيَّامُ مَعَ الأَْمْنِ وَالْيَوْمَانِ مَعَ الْخَوْفِ كَذَلِكَ، أَيْ يُقْضَى عَلَيْهِ فِيهَا مَعَ يَمِينِ الْقَضَاءِ فِي غَيْرِ اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ، وَأَمَّا فِي دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الْعَقَارِ فَلاَ يُقْضَى بِهِ بَل تُؤَخَّرُ الدَّعْوَى حَتَّى يَقْدَمَ لِقُوَّةِ الْمُشَاحَّةِ فِي
__________
(1) الدر المختار بهامش رد المحتار 4 / 336، 337.
(2) مجلة الأحكام العدلية المادة (1831) .
(3) الشرح الصغير 4 / 231.
الْعَقَارِ، وَيَمِينُ الْقَضَاءِ وَاجِبَةٌ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ لاَ يَتِمُّ الْحُكْمُ إِلاَّ بِهَا (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزٌ إِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَادَّعَى جُحُودَهُ، فَإِنْ قَال: هُوَ - أَيِ الْغَائِبُ - مُقِرٌّ، لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالأَْصَحُّ أَنَّهَا تُسْمَعُ لأَِنَّهُ قَدْ لاَ يَعْلَمُ جُحُودَهُ فِي غَيْبَتِهِ وَيَحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتِ حَقِّهِ فَتُجْعَل غَيْبَتُهُ كَسُكُوتِهِ، وَالثَّانِي لاَ تُسْمَعُ لأَِنَّ الْبَيِّنَةَ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهَا عِنْدَ الْجُحُودِ.
وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ: أَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَقِيل: يُسْتَحَبُّ، وَلَوِ ادَّعَى وَكِيلٌ عَلَى غَائِبٍ فَلاَ تَحْلِيفَ عَلَى الْوَكِيل بَل يَحْكُمُ بِالْبَيِّنَةِ وَيُعْطِي الْمَال الْمُدَّعَى بِهِ إِنْ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُنَاكَ مَالٌ (2) .
ثُمَّ قَالُوا: الْغَائِبُ الَّذِي تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهِيَ الَّتِي لاَ يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرًا إِلَى مَوْضِعِهِ لَيْلاً، وَقِيل: مَسَافَةُ قَصْرٍ، وَأَمَّا مَنْ هُوَ بِمَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ فَكَحَاضِرٍ لاَ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهِ وَلاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حُضُورِهِ إِلاَّ لِتَوَارِيهِ أَوْ تَعَزُّزِهِ، وَعَجَزَ الْقَاضِي عَنْ إِحْضَارِهِ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حُضُورِهِ (3) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ مَنِ ادَّعَى حَقًّا عَلَى
__________
(1) نفس المرجع 4 / 233.
(2) مغني المحتاج 4 / 406 - 408.
(3) مغني المحتاج 4 / 414، 415.

الصفحة 329