كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 33)

قَال الزَّرْكَشِيُّ: الْقُرْآنُ وَالْقِرَاءَاتُ حَقِيقَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ، فَالْقُرْآنُ هُوَ الْوَحْيُ الْمُنَزَّل عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْبَيَانِ وَالإِْعْجَازِ، وَالْقِرَاءَاتُ اخْتِلاَفُ أَلْفَاظِ الْوَحْيِ الْمَذْكُورِ، مِنَ الْحُرُوفِ وَكَيْفِيَّتِهَا مِنْ تَخْفِيفٍ وَتَشْدِيدٍ وَغَيْرِهِمَا (1) .

أَرْكَانُ الْقِرَاءَةِ الصَّحِيحَةِ:
3 - قَال ابْنُ الْجَزَرِيِّ: كُل قِرَاءَةٍ وَافَقَتِ الْعَرَبِيَّةَ - وَلَوْ بِوَجْهٍ - وَوَافَقَتْ أَحَدَ الْمَصَاحِفِ الْعُثْمَانِيَّةِ - وَلَوِ احْتِمَالاً - وَصَحَّ سَنَدُهَا، فَهِيَ الْقِرَاءَةُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي لاَ يَجُوزُ رَدُّهَا، وَلاَ يَحِل إِنْكَارُهَا، بَل هِيَ مِنَ الأَْحْرُفِ السَّبْعَةِ الَّتِي نَزَل بِهَا الْقُرْآنُ، وَوَجَبَ عَلَى النَّاسِ قَبُولُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ عَنِ الأَْئِمَّةِ السَّبْعَةِ، أَمْ عَنِ الْعَشَرَةِ، أَمْ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الأَْئِمَّةِ الْمَقْبُولِينَ، وَمَتَى اخْتَل رُكْنٌ مِنْ هَذِهِ الأَْرْكَانِ الثَّلاَثَةِ، أُطْلِقَ عَلَيْهَا ضَعِيفَةً، أَوْ شَاذَّةً، أَوْ بَاطِلَةً، سَوَاءٌ كَانَتْ عَنِ السَّبْعَةِ، أَمْ عَمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُمْ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَئِمَّةِ التَّحْقِيقِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.
قَال أَبُو شَامَةَ: فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُغْتَرَّ بِكُل قِرَاءَةٍ تُعْزَى إِلَى أَحَدِ السَّبْعَةِ، وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا لَفْظُ الصِّحَّةِ، وَأَنَّهَا أُنْزِلَتْ هَكَذَا، إِلاَّ إِذَا دَخَلَتْ فِي ذَلِكَ الضَّابِطِ، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ
__________
(1) الإتقان في علوم القرآن 1 / 80، وإتحاف فضلاء البشر ص 5.
الْمَنْسُوبَةَ إِلَى كُل قَارِئٍ مِنَ السَّبْعَةِ وَغَيْرِهِمْ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَالشَّاذِّ، غَيْرَ أَنَّ هَؤُلاَءِ السَّبْعَةَ لِشُهْرَتِهِمْ وَكَثْرَةِ الصَّحِيحِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فِي قِرَاءَتِهِمْ تَرْكَنُ النَّفْسُ إِلَى مَا نُقِل عَنْهُمْ فَوْقَ مَا يُنْقَل عَنْ غَيْرِهِمْ (1) .

الْفَرْقُ بَيْنَ الْقِرَاءَاتِ وَالرِّوَايَاتِ وَالطُّرُقِ:
4 - الْخِلاَفُ فِي الْقِرَاءَةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إِلَى الإِْمَامِ، أَوْ إِلَى الرَّاوِي عَنِ الإِْمَامِ، أَوْ إِلَى الآْخِذِ عَنِ الرَّاوِي.
فَإِنْ كَانَ الْخِلاَفُ مَنْسُوبًا لإِِمَامٍ مِنَ الأَْئِمَّةِ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الرُّوَاةُ فَهُوَ قِرَاءَةٌ، وَإِنْ كَانَ مَنْسُوبًا لِلرَّاوِي عَنِ الإِْمَامِ فَهُوَ رِوَايَةٌ، وَكُل مَا نُسِبَ لِلآْخِذِ عَنِ الرَّاوِي وَإِنْ سَفَل فَهُوَ طَرِيقٌ.
وَهَذَا هُوَ الْخِلاَفُ الْوَاجِبُ، فَهُوَ عَيْنُ الْقِرَاءَاتِ وَالرِّوَايَاتِ وَالطُّرُقِ، بِمَعْنَى أَنَّ الْقَارِئَ مُلْزَمٌ بِالإِْتْيَانِ بِجَمِيعِهَا، فَلَوْ أَخَل بِشَيْءٍ مِنْهَا عُدَّ ذَلِكَ نَقْصًا فِي رِوَايَتِهِ.
وَأَمَّا الْخِلاَفُ الْجَائِزُ، فَهُوَ خِلاَفُ الأَْوْجُهِ الَّتِي عَلَى سَبِيل التَّخْيِيرِ وَالإِْبَاحَةِ، كَأَوْجُهِ الْبَسْمَلَةِ، وَأَوْجُهِ الْوَقْفِ عَلَى عَارِضِ السُّكُونِ، فَالْقَارِئُ مُخَيَّرٌ فِي الإِْتْيَانِ بِأَيِّ وَجْهٍ
__________
(1) النشر في القراءات العشر 1 / 9 ط. المكتبة التجارية الكبرى، والإتقان 1 / 75 ط. مصطفى الحلبي 1935 م، وإتحاف فضلاء البشر ص 6.

الصفحة 42