كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 33)
أَحْوَطُ؛ لأَِنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ يَكُونُ كُفْرًا، وَمَا يَكُونُ كُفْرًا لاَ يَكُونُ مِنَ الْقُرْآنِ، وَمَا قَالَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ أَوْسَعُ؛ لأَِنَّ النَّاسَ لاَ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ إِعْرَابٍ وَإِعْرَابٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْل الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ اللَّحْنَ وَلَوْ غَيَّرَ الْمَعْنَى لاَ يُبْطِل الصَّلاَةَ، وَسَوَاءٌ ذَلِكَ فِي الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ اللَّحْنَ إِذَا كَانَ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ إِلاَّ إِذَا كَانَ عَامِدًا عَالِمًا قَادِرًا، وَأَمَّا فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنْ قَدَرَ وَأَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ، وَإِلاَّ فَصَلاَتُهُ صَحِيحَةٌ.
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ اللَّحْنَ إِنْ كَانَ يُحِيل الْمَعْنَى فَإِنْ كَانَ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى إِصْلاَحِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلاَتُهُ، لأَِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إِصْلاَحِهِ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَقَطِ الَّتِي هِيَ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ لِحَدِيثِ: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ (1) ، وَلاَ يَقْرَأُ مَا زَادَ عَنِ الْفَاتِحَةِ، فَإِنْ قَرَأَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وَيَكْفُرُ إِنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ، وَإِنْ قَرَأَ نِسْيَانًا أَوْ جَهْلاً أَوْ خَطَأً لَمْ تَبْطُل صَلاَتُهُ (2) .
__________
(1) حديث: " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم " أخرجه البخاري (فتح الباري 13 / 251) ، ومسلم (2 / 975) .
(2) الفتاوى الهندية 1 / 81، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 236، والقليوبي وعميرة 1 / 231، وكشاف القناع 1 / 481، والإنصاف 2 / 270.
قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الإِْمَامِ:
10 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الإِْمَامِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ سَوَاءٌ كَانَتِ الصَّلاَةُ جَهْرِيَّةً أَوْ سِرِّيَّةً لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الإِْمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ (1) ، قَال ابْنُ قُنْدُسٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قِرَاءَةَ الإِْمَامِ إِنَّمَا تَقُومُ عَنْ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ إِذَا كَانَتْ صَلاَةُ الإِْمَامِ صَحِيحَةً، احْتِزَازًا عَنِ الإِْمَامِ إِذَا كَانَ مُحْدِثًا أَوْ نَجِسًا وَلَوْ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَقُلْنَا بِصِحَّةِ صَلاَةِ الْمَأْمُومِ، فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ لِعَدَمِ صِحَّةِ صَلاَةِ الإِْمَامِ، فَتَكُونُ قِرَاءَتُهُ غَيْرَ مُعْتَبَرَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رُكْنِ الصَّلاَةِ فَلاَ تَسْقُطُ عَنِ الْمَأْمُومِ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ، لَكِنْ لَمْ أَجِدْ مِنْ أَعْيَانِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ مَنِ اسْتَثْنَاهُ. نَعَمْ وَجَدْتُهُ فِي بَعْضِ كَلاَمِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَظَاهِرُ كَلاَمِ الأَْشْيَاخِ وَالأَْخْبَارِ خِلاَفُهُ لِلْمَشَقَّةِ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي السِّرِّيَّةِ.
__________
(1) حديث: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " أخرجه ابن ماجه (1 / 277) من حديث جابر بن عبد الله، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 175) .
الصفحة 52