كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 33)
وَعَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهَا تَجِبُ فِي صَلاَةِ السِّرِّ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ قَال بِلُزُومِهَا لِلْمَأْمُومِ فِي السِّرِّيَّةِ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لاَ يَقْرَأُ مُطْلَقًا خَلْفَ الإِْمَامِ حَتَّى فِي الصَّلاَةِ السِّرِّيَّةِ، وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ الإِْمَامِ، فَإِنْ قَرَأَ صَحَّتْ صَلاَتُهُ فِي الأَْصَحِّ.
قَالُوا: وَيَسْتَمِعُ الْمَأْمُومُ إِذَا جَهَرَ الإِْمَامُ وَيُنْصِتُ إِذَا أَسَرَّ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ خَلْفَهُ قَوْمٌ، فَنَزَلَتْ {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} .
(2) قَال أَحْمَدُ: أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الآْيَةَ فِي الصَّلاَةِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْبَحْرِ: وَحَاصِل الآْيَةِ: أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهَا أَمْرَانِ: الاِسْتِمَاعُ وَالسُّكُوتُ فَيُعْمَل بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَالأَْوَّل يُخَصُّ بِالْجَهْرِيَّةِ وَالثَّانِي لاَ، فَيَجْرِي عَلَى إِطْلاَقِهِ فَيَجِبُ السُّكُوتُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا.
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَال: لاَ قِرَاءَةَ مَعَ الإِْمَامِ فِي شَيْءٍ.
__________
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 236 - 237، والخرشي على خليل 1 / 269، وكشاف القناع 1 / 386، والإنصاف 2 / 228.
(2) حديث ابن عباس: " صلى النبي صلى الله عليه وسلم. . . ". أخرجه ابن مردويه كما في الدر المنثور للسيوطي (3 / 155) . والآية من سورة الأعراف / 204.
وَمَنْعُ الْمُؤْتَمِّ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَأْثُورٌ عَنْ ثَمَانِينَ نَفَرًا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ؛ وَلأَِنَّ الْمَأْمُومَ مُخَاطَبٌ بِالاِسْتِمَاعِ إِجْمَاعًا فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يُنَافِيهِ، إِذْ لاَ قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، فَصَارَ نَظِيرَ الْخُطْبَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِالاِسْتِمَاعِ لاَ يَجِبُ عَلَى كُل وَاحِدٍ أَنْ يَخْطُبَ لِنَفْسِهِ بَل لاَ يَجُوزُ، فَكَذَا هَذَا (1) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي الصَّلاَةِ مُطْلَقًا سِرِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جَهْرِيَّةً (2) ، لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ (3) ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تُجْزِئُ صَلاَةٌ لاَ يَقْرَأُ الرَّجُل فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ. (4)
وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى كَرَاهَةِ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ حَال جَهْرِ الإِْمَامِ، وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ حَال مَا إِذَا كَانَ يَخَافُ فَوْتَ بَعْضِ الْفَاتِحَةِ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ إِمَامَهُ لاَ يَقْرَأُ السُّورَةَ أَوْ إِلاَّ سُورَةً قَصِيرَةً وَلاَ يَتَمَكَّنُ مِنْ إِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ يَقْرَؤُهَا مَعَ الإِْمَامِ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الإِْمَامِ أَوْ إِذَا كَانَ لاَ يَسْمَعُ الإِْمَامَ
__________
(1) تبيين الحقائق 1 / 131، وحاشية ابن عابدين 1 / 366.
(2) مغني المحتاج 1 / 156، وشرح روض الطالب 1 / 149.
(3) حديث: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " تقدم فقرة 4.
(4) حديث: " لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها. . . ". تقدم ف 4.
الصفحة 53