كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 34)

الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِل فِيهِ (1) ، وَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةً إِنْ كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا، لِحَدِيثِ: نَهَى الرَّسُول أَنْ يُبَال فِي الْمَاءِ الْجَارِي (2) . قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ يُقَذِّرُهُ، وَرُبَّمَا أَدَّى إِلَى تَنْجِيسِهِ، وَأَمَّا الرَّاكِدُ الْقَلِيل فَيَحْرُمُ الْبَوْل فِيهِ، لأَِنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَيُتْلِفُ مَالِيَّتَهُ وَيَغُرُّ غَيْرَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ، وَالتَّغَوُّطُ فِي الْمَاءِ أَقْبَحُ مِنَ الْبَوْل، وَكَذَا إِذَا بَال فِي إِنَاءٍ ثُمَّ صَبَّهُ فِي الْمَاءِ، أَوْ بَال بِقُرْبِ النَّهْرِ فَجَرَى إِلَيْهِ، فَكُلُّهُ قَبِيحٌ مَذْمُومٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ (3) .
قَال الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: النَّهْيُ الْوَارِدُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ نَهْيُ كَرَاهَةٍ وَإِرْشَادٍ، وَهُوَ فِي الْقَلِيل أَشَدُّ، لأَِنَّهُ يُفْسِدُهُ، وَقِيل: النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ، لأَِنَّ الْمَاءَ يَفْسُدُ لِتَكَرُّرِ الْبَائِلِينَ وَيَظُنُّ الْمَارُّ أَنَّهُ تَغَيَّرَ مِنْ قَرَارِهِ، وَيُلْحَقُ بِالْبَوْل التَّغَوُّطُ وَصَبُّ النَّجَاسَةِ. ا. هـ.، وَقَال ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: الْجَارِي عَلَى أَصْل الْمَذْهَبِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي الْقَلِيل (4) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُكْرَهُ الْبَوْل فِي
__________
(1) (1) حديث أبي هريرة: " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 346) ، ومسلم (1 / 235) .
(2) (2) حديث: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبال في الماء الجاري ". أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1 / 204) ، وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
(3) رد المحتار 1 / 228.
(4) حاشية العدوي على الخرشي 1 / 144.
الْمَاءِ الرَّاكِدِ قَلِيلاً كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِلْحَدِيثِ.
وَأَمَّا الْجَارِي فَقَال جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ كَانَ قَلِيلاً كُرِهَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يُكْرَهْ، قَال النَّوَوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ الْبَوْل فِي الْقَلِيل مُطْلَقًا، لأَِنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَيُتْلِفُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا الْكَثِيرُ الْجَارِي فَلاَ يَحْرُمُ، لَكِنَّ الأَْوْلَى اجْتِنَابُهُ، وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يُحَرِّمُوا الْبَوْل فِي الرَّاكِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، لأَِنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مُتَمَوَّلٍ عَادَةً، أَوْ لأَِنَّهُ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بِالإِْضَافَةِ (1) .
وَقَيَّدَ بَعْضُهُمُ الْمَاءَ الْكَثِيرَ الَّذِي يُكْرَهُ التَّخَلِّي فِيهِ بِمَا لَمْ يَسْتَبْحِرْ، فَإِنِ اسْتَبْحَرَ بِحَيْثُ لاَ تَعَافُهُ النَّفْسُ فَلاَ كَرَاهَةَ (2) .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا عَلَى اسْتِثْنَاءِ الْمَاءِ الْمُسَبَّل وَالْمَوْقُوفِ، فَيَحْرُمُ (3) .
وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ التَّبَوُّل فِي الْمَاءِ وَالتَّغَوُّطِ فِيهِ فَرَأَوْا كَرَاهَةَ الأَْوَّل وَتَحْرِيمَ الثَّانِي، فَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: يُكْرَهُ بَوْلُهُ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ أَوْ قَلِيلٍ جَارٍ، وَيَحْرُمُ تَغَوُّطُهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ رَاكِدٍ أَوْ جَارٍ لأَِنَّهُ يُقَذِّرُهُ وَيَمْنَعُ النَّاسَ الاِنْتِفَاعَ بِهِ (4)
__________
(1) المجموع 2 / 93، وكشاف القناع 1 / 62.
(2) حاشية ابن قاسم على شرح البهجة 1 / 120، وكشاف القناع 1 / 63.
(3) حاشية الجمل على شرح المنهج 1 / 88.
(4) كشاف القناع 1 / 63.

الصفحة 14