كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 34)

يَفْعَل، وَجَاءَ فِي الْمُضْمَرَاتِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ إِلاَّ بَعْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَقَدْ فَعَل ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ لِشُبْهَةِ الْفَسَادِ (1) .
وَقَال الْحَطَّابُ: الشَّكُّ الَّذِي لاَ يَسْتَنِدُ لِعَلاَمَةٍ لَغْوٌ، لأَِنَّهُ وَسْوَسَةٌ، فَلاَ قَضَاءَ إِلاَّ لِشَكٍّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَقَدْ أُولِعَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنْتَمِينَ لِلصَّلاَحِ بِقَضَاءِ الْفَوَائِتِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْفَوَاتِ أَوْ ظَنِّهِ أَوْ شَكٍّ فِيهِ، وَيُسَمُّونَهُ صَلاَةَ الْعُمُرِ، وَيَرَوْنَهَا كَمَالاً، وَيُرِيدُ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي نَافِلَةً أَصْلاً، بَل يَجْعَل فِي مَحَل كُل نَافِلَةٍ فَائِتَةً لِمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ نَقْصٍ أَوْ تَقْصِيرٍ أَوْ جَهْلٍ، وَذَلِكَ بَعِيدٌ عَنْ حَال السَّلَفِ، وَفِيهِ هِجْرَانُ الْمَنْدُوبَاتِ وَتَعَلُّقٌ بِمَا لاَ أَجْرَ لَهُ، وَقَدْ سَمِعْتُ شَيْخَنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ السَّنُوسِيَّ ثُمَّ التِّلِمْسَانِيَّ يَذْكُرُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مَنْصُوصٌ فَحَنِقْتُهُ عَلَيْهِ، فَقَال: نَصَّ عَلَيْهِ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، نَعَمْ، رَأَيْتُ لِسَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبِلاَلِيِّ فِي اخْتِصَارِ الإِْحْيَاءِ عَكْسَهُ (2) .

قَضَاءُ السُّنَنِ:
26 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ: أَنَّ السُّنَنَ - عَدَا سُنَّةِ الْفَجْرِ - لاَ تُقْضَى بَعْدَ الْوَقْتِ (3) .
__________
(1) الفتاوى الهندية 1 / 124
(2) مواهب الجليل 2 / 8.
(3) الهداية والعناية 1 / 243 ط. بولاق، والشرح الصغير 1 / 408 - 409، والإنصاف2 / 178.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي قَضَاءِ هَذِهِ السُّنَنِ تَبَعًا لِلْفَرْضِ، فَقَال بَعْضُهُمْ: يَقْضِيهَا تَبَعًا، لأَِنَّهُ كَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلاَ يَثْبُتُ. قَصْدًا.
وَقَال بَعْضُهُمْ: لاَ يَقْضِيهَا تَبَعًا كَمَا لاَ يَقْضِيهَا مَقْصُودَةً، قَال الْعَيْنِيُّ: وَهُوَ الأَْصَحُّ، لاِخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ (1) ، وَفِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ: مَا سِوَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ مِنَ السُّنَنِ إِذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ يَقْضِي عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ كَالأَْذَانِ وَالإِْقَامَةِ، وَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ لاَ يُقْضَى (2) .
وَأَمَّا سُنَّةُ الْفَجْرِ فَإِنَّهَا تُقْضَى تَبَعًا لِلْفَرْضِ إِلَى وَقْتِ الزَّوَال عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، سَوَاءٌ كَانَ قَضَى الْفَرْضَ بِالْجَمَاعَةِ، أَوْ قَضَاهُ وَحْدَهُ (3) ، وَقَال مُحَمَّدٌ: تُقْضَى مُنْفَرِدَةً بَعْدَ الشَّمْسِ قَبْل الزَّوَال (4) ، فَلاَ قَضَاءَ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ مُنْفَرِدَةً قَبْل الشَّمْسِ وَلاَ بَعْدَ الزَّوَال بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ، وَسَوَاءٌ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ بِجَمَاعَةٍ (5) .
ثُمَّ اخْتَلَفَ مَشَايِخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ فِي قَضَاءِ
__________
(1) البناية 1 / 612 - 613، وانظر الهداية مع العناية 1 / 342 ط. بولاق.
(2) البناية 2 / 613.
(3) البناية 2 / 612، وانظر الهداية مع فتح القدير 1 / 340 - 341 ط. بولاق.
(4) مراقي الفلاح ص246.
(5) مراقي الفلاح ص246.

الصفحة 37