كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 34)

اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ يَلْزَمُهُ الاِسْتِقْبَال، لأَِنَّهُ يَلْزَمُهُ مُتَتَابِعًا فَيُرَاعَى فِيهِ صِفَةُ التَّتَابُعِ، وَسَوَاءٌ فَسَدَ بِصُنْعِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، كَالْخُرُوجِ وَالْجِمَاعِ وَالأَْكْل وَالشُّرْبِ فِي النَّهَارِ، إِلاَّ الرِّدَّةَ، أَوْ فَسَدَ بِصُنْعِهِ لِعُذْرٍ، كَمَا إِذَا مَرِضَ فَاحْتَاجَ إِلَى الْخُرُوجِ فَخَرَجَ، أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ رَأْسًا، كَالْحَيْضِ وَالْجُنُونِ وَالإِْغْمَاءِ الطَّوِيل، لأَِنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ جَبْرًا لِلْفَائِتِ، وَالْحَاجَةُ إِلَى الْجَبْرِ مُتَحَقِّقَةٌ فِي الأَْحْوَال كُلِّهَا، إِلاَّ أَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ فِي الرِّدَّةِ عُرِفَ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (1) ، وَقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإِْسْلاَمُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ (2) ، وَالْقِيَاسُ فِي الْجُنُونِ الطَّوِيل أَنْ يَسْقُطَ الْقَضَاءُ، كَمَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ، إِلاَّ أَنَّ فِي الاِسْتِحْسَانِ يَقْضِي، لأَِنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إِنَّمَا كَانَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ، لأَِنَّ الْجُنُونَ إِذَا طَال قَلَّمَا يَزُول، فَيَتَكَرَّرُ عَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَ، فَيُحْرَجُ فِي قَضَائِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لاَ يَتَحَقَّقُ فِي الاِعْتِكَافِ، وَأَمَّا اعْتِكَافُ التَّطَوُّعِ إِذَا قَطَعَهُ قَبْل تَمَّامِ الْيَوْمِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الأَْصْل، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَقْضِي، بِنَاءً عَلَى
__________
(1) سورة الأنفال / 38.
(2) حديث: " الإسلام يجب ما قبله ". أخرجه أحمد (4 / 199) بهذا اللفظ من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه مرفوعًا.
أَنَّ اعْتِكَافَ التَّطَوُّعِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ مُقَدَّرٌ بِيَوْمٍ.
وَأَمَّا حُكْمُهُ إِذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ لَهُ، بِأَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ، أَنَّهُ إِذَا فَاتَ بَعْضُهُ قَضَاهُ لاَ غَيْرُ، وَلاَ يَلْزَمْهُ الاِسْتِقْبَال، كَمَا فِي الصَّوْمِ، وَإِنْ فَاتَهُ كُلُّهُ قَضَى الْكُل مُتَتَابِعًا، لأَِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ صَارَ الاِعْتِكَافُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَنْشَأَ النَّذْرَ بِاعْتِكَافِ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ قَدَرَ عَلَى قَضَائِهِ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالْفِدْيَةِ لِكُل يَوْمٍ طَعَامَ مِسْكِينٍ، لأَِجْل الصَّوْمِ، لاَ لأَِجْل الاِعْتِكَافِ، كَمَا فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَلَمْ يَعْتَكِفْ، فَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ صَحِيحًا وَقْتَ النَّذْرِ، فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا وَقْتَ النَّذْرِ فَذَهَبَ الْوَقْتُ وَهُوَ مَرِيضٌ حَتَّى مَاتَ، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ صَحَّ يَوْمًا وَاحِدًا يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِالإِْطْعَامِ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لاَ يَلْزَمُهُ إِلاَّ مِقْدَارُ مَا يَصِحُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ.
وَإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، فَجَمِيعُ الْعُمُرِ وَقْتُهُ، كَمَا فِي النَّذْرِ بِالصَّوْمِ فِي وَقْتٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، وَفِي أَيِّ وَقْتٍ أَدَّى كَانَ مُؤَدِّيًا

الصفحة 42