كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 34)

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ حَال الْجُلُوسِ، لأَِنَّ ذَلِكَ يُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَلأَِنَّهُ حَال كَشْفِ الْعَوْرَةِ فَيَسْتَحْيِي فِيهَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَل وَمِنَ الْمَلاَئِكَةِ، وَقِيل: لأَِنَّهُ أَحْفَظُ لِمَسَامِّ الشَّعْرِ مِنْ عُلُوقِ الرَّائِحَةِ بِهَا فَتَضُرُّهُ، وَيَلْبَسُ حِذَاءَهُ لِئَلاَّ تَتَنَجَّسَ رِجْلاَهُ، وَلاَ يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ قَبْل أَنْ يَدْنُوَ إِلَى الْقُعُودِ (1) .

و التَّبَوُّل قَائِمًا:
9 - يُكْرَهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَبُول الرَّجُل قَائِمًا لِغَيْرِ عُذْرٍ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَال قَائِمًا فَلاَ تُصَدِّقْهُ (2) ، وَقَال جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نَهَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبُول الرَّجُل قَائِمًا (3) .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ ذَكَرَهَا فِي الإِْنْصَافِ: لاَ يُكْرَهُ وَلَوْ بِلاَ حَاجَةٍ إِنْ أَمِنَ تَلَوُّثًا أَوْ نَاظِرًا، وَالْمَذْهَبُ كَقَوْل الْجُمْهُورِ، قَال صَاحِبُ الْمُغْنِي: وَقَدْ رُوِيَتِ الرُّخْصَةُ فِيهِ - يَعْنِي الْبَوْل مِنْ قِيَامٍ - عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ
__________
(1) ابن عابدين 1 / 229، 230، وحاشية الدسوقي 1 / 106، حاشية الجمل 1 / 83، ونيل المآرب 1 / 53، والمغني لابن قدامة 1 / 166. .
(2) حديث عائشة: " من حدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائمًا. . . ". أخرجه أحمد (6 / 192) .
(3) حديث جابر: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل قائمًا ". أخرجه البيهقي (1 / 102) وذكر تضعيف أحد رواته.
وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَهْل بْنِ سَعْدٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُرْوَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ اتِّفَاقًا، قَال الشَّافِعِيَّةُ: بَل وَلاَ خِلاَفَ الأَْوْلَى، لِمَا وَرَدَ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَال قَائِمًا، فَتَنَحَّيْتُ فَقَال: ادْنُهْ، فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ فَتَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ (1) .
وَسَبَبُ بَوْلِهِ قَائِمًا مَا قِيل إِنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَشْفِي بِهِ لِوَجَعِ الصُّلْبِ، فَلَعَلَّهُ كَانَ بِهِ، قَال النَّوَوِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَيُفْهَمُ مِثْل ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيل الْحَنَابِلَةِ (2) .
وَفَصَّل الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ، فَرَأَوْا أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَكَانُ رَخْوًا طَاهِرًا كَالرَّمَل جَازَ فِيهِ الْقِيَامُ، وَالْجُلُوسُ أَوْلَى لأَِنَّهُ أَسْتَرُ، وَإِنْ كَانَ رَخْوًا نَجِسًا بَال قَائِمًا مَخَافَةَ أَنْ تَتَنَجَّسَ ثِيَابُهُ، وَإِنْ كَانَ صُلْبًا طَاهِرًا تَعَيَّنَ الْجُلُوسُ لِئَلاَّ يَتَطَايَرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْبَوْل، وَإِنْ كَانَ صُلْبًا نَجِسًا تَنَحَّى عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ وَلاَ يَبُول فِيهِ قَائِمًا وَلاَ قَاعِدًا (3) .
__________
(1) (1) حديث حذيفة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 328) ، ومسلم (1 / 228) واللفظ لمسلم.
(2) رد المحتار 1 / 229، 230، والمجموع 2 / 85، وشرح البهجة 1 / 121، والمغني 1 / 164، والإنصاف 1 / 99.
(3) حاشية الدسوقي 1 / 104، 107، والحطاب 1 / 267.

الصفحة 9