كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ كَفَّارَةَ إِفْسَادِ الصَّوْمِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَأَنَّ أَفْضَل خِصَالِهَا الإِْطْعَامُ لِكَثْرَةِ تَعَدِّي نَفْعِهِ.
وَأَمَّا كَفَّارَتَا الظِّهَارِ وَالْقَتْل فَهُمَا مُرَتَّبَتَانِ (1) .
فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْجَمِيعِ اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّتِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لأَِحْمَدَ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِكَفَّارَةِ الصَّوْمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِخِلاَفِ سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ فَتَسْتَقِرُّ عِنْدَهُمْ.
وَفِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لأَِحْمَدَ، وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الْكَفَّارَةَ تَسْقُطُ عَنْهُ بِالْعَجْزِ عَنِ الأُْمُورِ الثَّلاَثَةِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ بِدَلِيل أَنَّ الأَْعْرَابِيَّ لَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّارَةٍ أُخْرَى لَمَّا دَفَعَ إِلَيْهِ التَّمْرَ (2) .
أَمَّا كَفَّارَةُ الْقَتْل فَلَيْسَ فِيهَا إِطْعَامٌ بَل هِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِلآْيَةِ الْكَرِيمَةِ.
وَقَال الْفُقَهَاءُ: إِنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ عَلَى التَّخْيِيرِ ابْتِدَاءً وَمُرَتَّبَةٌ انْتِهَاءً فَيَخْتَارُ فِي أَوَّلِهَا
__________
(1) جواهر الإكليل 1 / 150 - 151، والقوانين الفقهية ص 121، وأحكام القرآن للجصاص 2 / 245 وما بعدها.
(2) بدائع الصنائع 2 / 99، 5 / 95 - 96، 112، والقوانين الفقهية 120 - 122، ومغني المحتاج 1 / 444 - 445، 3 / 367، والمغني 3 / 129 - 132.
بَيْنَ إِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ كِسْوَتِهِمْ أَوْ تَحْرِيرِ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ (1) ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} (2) .
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ فِي الْعِتْقِ إِلاَّ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَالِمَةٍ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَل وَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْقَتْل: {وَمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (3) وَمَا عَدَا كَفَّارَةِ الْقَتْل فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتِقَ أَمَةً. أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ (4) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤْمِنَةٍ إِلاَّ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْل لإِِطْلاَقِ النُّصُوصِ فِي غَيْرِ الْقَتْل، وَلاِمْتِنَاعِ جَوَازِ قِيَاسِ الْمَنْصُوصِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ، وَلأَِنَّ فِي ذَلِكَ إِيجَابَ زِيَادَةٍ فِي النَّصِّ وَهُوَ
__________
(1) أحكام القرآن للجصاص 2 / 453، وأحكام القرآن لابن العربي 2 / 158 وما بعدها، ومغني المحتاج 4 / 327، والمغني لابن قدامة 8 / 734.
(2) سورة المائدة / 89.
(3) سورة النساء / 92.
(4) حديث: " أعتقها فإنها مؤمنة ". أخرجه مسلم (1 / 382) من حديث معاوية بن الحكم السلمي.
الصفحة 105