كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)
00 بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَلَمَّا صَلَّى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلاَ ضَرَبَنِي وَلاَ شَتَمَنِي، قَال: إِنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ (1) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (صَلاَةٌ ف) .
الْكَلاَمُ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ وَقَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَبَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ:
17 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَدِيمِ إِلَى أَنَّ الْكَلاَمَ يَحْرُمُ أَثْنَاءَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَيَجِبُ الإِْنْصَاتُ مِنْ حِينِ يَأْخُذُ الإِْمَامُ فِي الْخُطْبَةِ فَلاَ يَجُوزُ الْكَلاَمُ لأَِحَدٍ مِنَ الْحَاضِرِينَ، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ عُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ، وَقَال ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا رَأَيْتَهُ يَتَكَلَّمُ وَالإِْمَامُ يَخْطُبُ فَأَقْرِعْ رَأْسَهُ بِالْعَصَا (2) ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (3) قَال
__________
(1) حديث معاوية بن الحكم السلمي: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. . أخرجه مسلم (1 / 381 - 382) .
(2) الفتاوى الهندية 1 / 147، والطحطاوي على مراقي الفلاح 1 / 281 - 283، وحاشية الدسوقي 1 / 386، وشرح الزرقاني 2 / 64، وكفاية الأخيار 1 / 93، والمجموع 4 / 523، والمغني 2 / 323، وكشاف القناع 2 / 36 - 38.
(3) سورة الأعراف / 204.
أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ وَسُمِّيَتِ الْخُطْبَةُ قُرْآنًا لاِشْتِمَالِهَا عَلَى الْقُرْآنِ الَّذِي يُتْلَى فِيهَا، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالإِْمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ (1) وَاللَّغْوُ الإِْثْمُ.
قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: يَحْرُمُ فِي الْخُطْبَةِ كَلاَمٌ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْبِيحًا وَالأَْكْل وَالشُّرْبُ وَالْكِتَابَةُ، وَيُكْرَهُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَرَدُّ السَّلاَمِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لاَ يُكْرَهُ الرَّدُّ لأَِنَّهُ فَرْضٌ (2) .
وَصَرَّحَ الدَّرْدِيرُ بِحُرْمَةِ رَدِّ السَّلاَمِ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ وَتَشْمِيتِ عَاطِسٍ وَنَهْيِ لاَغٍ أَوْ إِشَارَةٍ وَأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ (3)
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا سَمِعَ الإِْنْسَانُ مُتَكَلِّمًا لَمْ يَنْهَهُ بِالْكَلاَمِ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ وَلَكِنْ يُشِيرُ إِلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فَيَضَعُ أُصْبُعَهُ عَلَى فِيهِ، وَمِمَّنْ رَأَى أَنْ يُشِيرَ وَلاَ يَتَكَلَّمَ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَكَرِهَ
__________
(1) حديث: " إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 414) ومسلم (2 / 582) .
(2) فتح القدير 2 / 37 - 38 نشر دار إحياء التراث العربي.
(3) الشرح الصغير 1 / 512 - 513.
الصفحة 116