كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)

وَقَال الأَْذْرَعِيُّ يَظْهَرُ الْقَوْل بِالْوُجُوبِ فِي بَعْضِ الأَْحْوَال عَلَى بَعْضِ الأَْشْخَاصِ إِذَا كَانَ فِيهِ صِيَانَةٌ لِلْحُرُمِ وَالذُّرِّيَّةِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الصَّبْرَ يُؤَدِّي إِلَى اسْتِبَاحَتِهِمْ أَوِ اسْتِئْصَالِهِمْ، وَقِسْ عَلَى هَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ أَوْ أَعْظَمَ مِنْهُ (1) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ فَأَتَى بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَمْ يَصِرْ كَافِرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَانِ} ، ثُمَّ قَال: مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا عِنْدَ الْكُفَّارِ وَمُقَيَّدًا عِنْدَهُمْ فِي حَالَةِ خَوْفٍ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ نَطَقَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَمْ يُحْكَمْ بِرِدَّتِهِ، لأَِنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي الإِْكْرَاهِ وَإِنْ شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ آمِنًا حَال نُطْقِهِ حُكِمَ بِرِدَّتِهِ (2) .
وَمَنْ نَطَقَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لإِِكْرَاهِ وَقَعَ عَلَيْهِ، ثُمَّ زَال عَنْهُ الإِْكْرَاهُ أُمِرَ بِإِظْهَارِ إِسْلاَمِهِ، فَإِنْ أَظْهَرَهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إِسْلاَمِهِ، وَإِنْ أَظْهَرَ الْكُفْرَ حُكِمَ أَنَّهُ كَفَرَ مِنْ حِينِ نَطَقَ بِهِ، لأَِنَّنَا تَبَيَّنَّا بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ بِالْكُفْرِ مِنْ حِينِ نَطَقَ بِهِ مُخْتَارًا لَهُ (3) .
8 - وَيَتَّفِقُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ الصَّبْرَ وَالثَّبَاتَ
__________
(1) أسنى المطالب مع هامشه حاشية الرملي 4 / 9.
(2) المغني 8 / 145، 146.
(3) المغني 8 / 146.
عَلَى الإِْيمَانِ مَعَ الإِْكْرَاهِ وَلَوْ كَانَ بِالْقَتْل أَفَضْل مِنَ الإِْقْدَامِ عَلَى الْكُفْرِ حَتَّى لَوْ قُتِل كَانَ مَأْجُورًا، لِمَا وَرَدَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُل فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَْرْضِ فَيُجْعَل فِيهَا، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُجْعَل نِصْفَيْنِ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مِنْ دُونِ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ (1) .
وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَوْجُهٌ:
أَحَدُهَا: الأَْفْضَل الإِْتْيَانُ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ.
صِيَانَةً لِنَفْسِهِ.
وَالثَّانِي: إِنْ كَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ فَالأَْفْضَل الثُّبُوتُ (2) .
وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الإِْنْكَاءُ وَالْقِيَامُ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ فَالأَْفْضَل أَنْ يَنْطِقَ بِهَا لِمَصْلَحَةِ بَقَائِهِ، وَإِلاَّ فَالأَْفْضَل الثُّبُوتُ.

أَصْنَافُ الْكُفَّارِ:
9 - ذَكَرَ الْكَاسَانِيُّ أَنَّ الْكَفَرَةَ أَصْنَافٌ أَرْبَعَةٌ
صِنْفٌ مِنْهُمْ يُنْكِرُونَ الصَّانِعَ أَصْلاً، وَهُمُ الدَّهْرِيَّةُ الْمُعَطِّلَةُ.
وَصِنْفٌ مِنْهُمْ يُقِرُّونَ بِالصَّانِعِ، وَيُنْكِرُونَ
__________
(1) حديث: " قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 315 - 316) من حديث خباب بن الأرت.
(2) الشبراملسي مع نهاية المحتاج 7 / 247، وحاشية الجمل 5 / 9.

الصفحة 18