كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)
لأَِنَّهُ آدَمِيٌّ، وَالآْدَمِيُّ طَاهِرٌ سَوَاءٌ أَكَانَ مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا (1) ، لِقَوْل اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (2) ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (3) ، نَجَاسَةَ الأَْبْدَانِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ نَجَاسَةُ مَا يَعْتَقِدُونَهُ، وَقَدْ رَبَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأَْسِيرَ فِي الْمَسْجِدِ (4) .
مَسُّ الْكَافِرِ الْمُصْحَفَ
16 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْكَافِرِ مَسُّ الْمُصْحَفِ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ إِهَانَةً لِلْمُصْحَفِ.
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَمَسَّ الْكَافِرُ الْمُصْحَفَ إِذَا اغْتَسَل، لأَِنَّ الْمَانِعَ هُوَ الْحَدَثُ وَقَدْ زَال بِالْغُسْل، وَإِنَّمَا بَقِيَ نَجَاسَةُ اعْتِقَادِهِ وَذَلِكَ فِي قَلْبِهِ لاَ فِي يَدِهِ (5) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ أَنْ يَحْمِل حِرْزًا مِنْ قُرْآنٍ وَلَوْ بِسَاتِرٍ لأَِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى امْتِهَانِهِ (6) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 148، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1 / 50، ونهاية المحتاج 1 / 221، وكشاف القناع 1 / 193.
(2) سورة الإسراء / 70.
(3) سورة التوبة / 28.
(4) حديث: " ربط النبي صلى الله عليه وسلم الأسير في المسجد وهو ثمامة بن أثال " أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 555) ، ومسلم (3 / 1386) من حديث أبي هريرة
(5) بدائع الصنائع 1 / 37، والدر المختار وحاشية ابن عابدين 1 / 119.
(6) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 1 / 126.
دُخُول الْكَافِرِ الْمَسْجِدَ:
17 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّة إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْكَافِرِ دُخُول الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (1) لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} (2) .
وَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ مُرَادٌ بِهِ الْحَرَمُ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى} (3) ، إِنَّمَا أُسْرِيَ بِهِ مِنْ بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ.
أَمَّا الْمَسَاجِدُ الأُْخْرَى غَيْرُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَحِل لَهُمْ دُخُولُهَا بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا رَوَى عِيَاضٌ الأَْشْعَرِيُّ أَنَّ أَبَا مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفَدَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَعَهُ نَصْرَانِيٌّ، فَأَعْجَبَ عُمَرَ خَطُّهُ فَقَال: قُل لِكَاتِبِكَ هَذَا: يَقْرَأُ لَنَا كِتَابًا، فَقَال: إِنَّهُ لاَ يَدْخُل الْمَسْجِدَ، فَقَال: لِمَ؟ أَجُنُبٌ هُوَ؟ قَال: لاَ، هُوَ نَصْرَانِيٌّ، قَال: فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ.
فَإِنْ دَخَل مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ عُزِّرَ لِمَا رَوَتْ أُمُّ غُرَابٍ قَالَتْ: رَأَيْتُ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَبَصُرَ بِمَجُوسِيٍّ فَنَزَل
__________
(1) المهذب 2 / 259، والمغني 8 / 531، والدسوقي 1 / 139، والدر المختار وحاشية ابن عابدين 5 / 248.
(2) سورة التوبة / 28.
(3) سورة الإسراء / 1.
الصفحة 23