كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)
وَالْكَثِيرِ، وَهَذَا رَأْيُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا، لأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُعَرِّفَ اللُّقَطَةَ سَنَةً مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْقَلِيل وَالْكَثِيرِ، وَلأَِنَّ السُّنَّةَ لاَ تَتَأَخَّرُ عَنْهَا الْقَوَافِل، وَيَمْضِي فِيهَا الزَّمَانُ الَّذِي تُقْصَدُ فِيهِ الْبِلاَدُ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالاِعْتِدَال فَصَلَحَتْ قَدْرًا.
وَيَرَى أَبُو حَنِيفَةَ وَبَقِيَّةُ أَصْحَابِهِ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْقَلِيل وَالْكَثِيرِ فَإِنْ كَانَتْ أَقَل مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَرَّفَهَا أَيَّامًا عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى أَنَّهَا كَافِيَةٌ لِلإِْعْلاَمِ، وَأَنَّ صَاحِبَهَا لاَ يَطْلُبُهَا بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةً فَصَاعِدًا عَرَّفَهَا حَوْلاً، لأَِنَّ التَّقْدِيرَ بِالْحَوْل وَرَدَ فِي لُقَطَةٍ كَانَتْ مِائَةَ دِينَارٍ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ (1) .
لِمَا وَرَدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَال: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ فَشَأْنُكَ بِهَا قَال: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَال: هِيَ لَكَ أَوْ لأَِخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ قَال: فَضَالَّةُ الإِْبِل؟ قَال: مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُل الشَّجَرَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا (2) .
__________
(1) فتح القدير 6 / 122، والمدونة 6 / 173، ومغني المحتاج 2 / 413، والمغني والشرح الكبير 6 / 320 - 325.
(2) حديث زيد بن خالد الجهني: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 46) مسلم (3 / 1346 - 1348) .
زَمَانُ التَّعْرِيفِ وَمَكَانُهُ:
9 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يُعَرِّفُ اللُّقَطَةَ خِلاَل مُدَّةِ التَّعْرِيفِ، فِي النَّهَارِ دُونَ اللَّيْل لأَِنَّ النَّهَارَ مَجْمَعُ النَّاسِ وَمُلْتَقَاهُمْ دُونَ اللَّيْل، وَيَكُونُ التَّعْرِيفُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ وَلأُِسْبُوعٍ بَعْدَهُ، لأَِنَّ الطَّلَبَ فِيهِ أَكْثَرُ فَيُعَرِّفُهَا فِي كُل يَوْمٍ.
وَيُعَرِّفُهَا فِي الْمَكَانِ الَّذِي وَجَدَهَا فِيهِ، لأَِنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى الْوُصُول إِلَى صَاحِبِهَا، لأَِنَّهُ يَطْلُبُهَا غَالِبًا حَيْثُ افْتَقَدَهَا، كَمَا تُعَرَّفُ أَيْضًا عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ كَأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ، وَلاَ يَنْشُدُهَا دَاخِل الْمَسْجِدِ، لأَِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا، وَلِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ (1) ، كَمَا يُعَرِّفُهَا أَيْضًا فِي الأَْسْوَاقِ وَالْمَجَامِعِ وَالْمَحَافِل وَمَحَال الرِّحَال وَمُنَاخِ الأَْسْفَارِ، وَإِنِ الْتَقَطَ فِي الصَّحْرَاءِ وَهُنَاكَ قَافِلَةٌ تَبِعَهَا وَعَرَّفَ فِيهَا (2) .
مَرَّاتُ التَّعْرِيفِ وَمُؤْنَتُهُ:
10 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ
__________
(1) حديث النهي عن إنشاد الضالة في المسجد. أخرجه مسلم (1 / 397) من حديث أبي هريرة.
(2) ابن عابدين 3 / 319 - 320، وبدائع الصنائع 6 / 202، ومغني المحتاج 2 / 413، وروضة الطالبين 5 / 409، والمغني 6 / 321، 322، والمدونة 6 / 174، ومواهب الجليل 6 / 73.
الصفحة 299