كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)

وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْغَسْل عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ وَذَلِكَ بَعْدَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ غَسْلَهُمَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ لِغَيْرِ الْقَائِمِ مِنَ النُّوُمِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ غَسْل الْكَفَّيْنِ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ سَوَاءٌ قَامَ الْمُتَوَضِّئُ مِنْ نَوْمٍ أَوْ لَمْ يَقُمْ مِنْ نَوْمٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا النَّوْمُ مِنْ نَوْمِ اللَّيْل أَوْ مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ، لأَِنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ لَمْ تَذْكُرْ غَسْل الْكَفَّيْنِ مِنْ بَيْنِ الْفُرُوضِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَلأَِنَّ الْحَدِيثَ يَدُل عَلَى الاِسْتِحْبَابِ لِتَعْلِيلِهِ بِمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الإِْنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ (1) ، حَيْثُ إِنَّ طُرُوءَ الشَّكِّ عَلَى الْيَقِينِ لاَ يُؤَثِّرُ فِيهِ.
وَالرِّوَايَةُ الأُْخْرَى عَنْ أَحْمَدَ هِيَ وُجُوبُ غَسْل الْكَفَّيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ لِلأَْمْرِ بِهِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.
__________
(1) حديث: " إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 263) ، ومسلم (1 / 233) من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُوجِبُونَ فِي أَيِّ نَوْمٍ يَجِبُ مِنْهُ الْغَسْل؟
فَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِالْوُجُوبِ إِلَى أَنَّ وُجُوبَ الْغَسْل يَكُونُ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْل وَلاَ يَجِبُ غَسْلُهُمَا مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ بِدَلاَلَةِ الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ، حَيْثُ قَال: فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ، وَالْمَبِيتُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِلَيْلٍ، وَلأَِنَّ نَوْمَ اللَّيْل مَظِنَّةُ الاِسْتِغْرَاقِ فَإِصَابَتُهُ فِيهِ بِالنَّجَاسَةِ أَكْثَرُ احْتِمَالاً.
وَسَوَّى الْحَسَنُ بَيْنَ نَوْمِ اللَّيْل وَنَوْمِ النَّهَارِ فِي الْوُجُوبِ (1) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نُوُمِهِ. . . إِلَخْ.

ثَانِيًا: غَسْل الْكَفَّيْنِ مَعَ الْيَدَيْنِ فِي الْوُضُوءِ
: 4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ غَسْل الْكَفَّيْنِ مَعَ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مِنْ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} (2) .
وَلِلأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي وَصْفِ وُضُوءِ النَّبِيِّ (3) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَا: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَغَسَل وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ غَسَل يَدَهُ الْيُمْنَى
__________
(1) حاشية ابن عابدين 1 / 75، وجواهر الإكليل 1 / 16، والمجموع للنووي 1 / 347، ومغني المحتاج 1 / 57، والمغني لابن قدامة 1 / 97.
(2) سورة المائدة / 6.
(3) حاشية ابن عابدين 1 / 66، ومغني المحتاج 1 / 52، وجواهر الإكليل 1 / 14، والمغني لابن قدامة 1 / 122.

الصفحة 31