كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَلْحَقُ الْمُلْتَقَطُ بِالْعَبْدِ إِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ وَقِيل لاَ يَلْحَقُ مُطْلَقًا، وَقِيل: يَلْحَقُ قَطْعًا إِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي النِّكَاحِ وَمَضَى زَمَانُ إِمْكَانِهِ وَإِلاَّ فَقَوْلاَنِ (1) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى اللَّقِيطُ الْمُلْتَقِطَ أَوْ غَيْرَهُ فَلاَ يَلْحَقُ نَسَبُهُ بِهِ إِلاَّ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ.
الأَْمْرُ الأَْوَّل: أَنْ يَأْتِيَ الْمُدَّعِي بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ بِأَنَّهُ ابْنُهُ وَلاَ يَكْفِي قَوْل الْبَيِّنَةِ ذَهَبَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ طُرِحَ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَحِقَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ اللَّقِيطُ مَحْكُومًا بِإِسْلاَمِهِ أَوْ كُفْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَلْحَقُ لَهُ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا.
الأَْمْرُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لِدَعْوَاهُ وَجْهٌ كَرَجُلٍ عُرِفَ أَنَّهُ لاَ يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ فَزَعَمَ أَنَّهُ رَمَاهُ لِقَوْل النَّاسِ: إِذَا طُرِحَ عَاشَ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَدُل عَلَى صِدْقِهِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِصَاحِبِ الْوَجْهِ الْمُدَّعِي، سَوَاءٌ كَانَ اللَّقِيطُ مَحْكُومًا بِإِسْلاَمِهِ أَوْ كُفْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُسْتَلْحَقُ لَهُ صَاحِبُ الْوَجْهِ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا وَهَذَا عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَالتَّتَائِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ الأَْجْهُورِيُّ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَلْحَقُ بِصَاحِبِ الْوَجْهِ إِلاَّ
__________
(1) بدائع الصنائع 6 / 199، وروضة الطالبين 5 / 437، والمغني 5 / 763.
إِذَا كَانَ صَاحِبُ الْوَجْهِ مُسْلِمًا وَأَمَّا إِذَا اسْتَلْحَقَهُ ذِمِّيٌّ فَلاَ بُدَّ مِنَ الْبَيِّنَةِ (1) .
12 - وَإِنِ ادَّعَى نَسَبَ اللَّقِيطِ اثْنَانِ، مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ أَوْ حُرٌّ وَعَبْدٌ فَهُمَا سَوَاءٌ، لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ لَوِ انْفَرَدَ صَحَّتْ دَعْوَاهُ، فَإِذَا تَنَازَعُوا تُسَاوَوْا فِي الدَّعْوَى كَالأَْحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ، فَإِنْ كَانَ لأَِحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ ابْنُهُ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا وَلاَ يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُمَا هَاهُنَا.
فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لأَِحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ أَوْ كَانَتْ لَهُمَا بَيِّنَتَانِ وَتَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا فَإِنَّهُ يُعْرَضُ عَلَى الْقَافَةِ مَعَ الْمُدَّعِيَيْنِ فَيَلْحَقُ بِمَنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ مِنْهُمَا، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَل عَلَيْهَا يَوْمًا مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَال: أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَل عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَال: إِنَّ هَذِهِ الأَْقْدَامُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ (2) ، فَلَوْلاَ جَوَازُ الاِعْتِمَادِ عَلَى الْقَافَةِ لَمَا سُرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ.
هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ
__________
(1) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4 / 126، والتاج والإكليل بهامش الحطاب 6 / 82.
(2) حديث عائشة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يومًا مسرورًا. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 56) ومسلم (2 / 1082) واللفظ للبخاري.
الصفحة 319