كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)
وَالْكَثِيرَ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ فَغَيَّرَتْ لِلْمَاءِ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رَائِحَةً أَنَّهُ نَجِسٌ مَا دَامَ كَذَلِكَ (1) ، وَقَدْ رَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: الْمَاءُ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلاَّ مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ (2) .
أَمَّا إِذَا تَغَيَّرَ لَوْنُ الْمَاءِ بِسَبَبِ اخْتِلاَطِهِ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ، فَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ الَّذِي خَالَطَ الْمَاءَ فَتَغَيَّرَ بِهِ مِمَّا يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ بِأَنْ كَانَ يُفَارِقُ الْمَاءَ غَالِبًا كَزَعْفَرَانٍ وَتَمْرٍ وَدَقِيقٍ وَصَابُونٍ وَلَبَنٍ وَعَسَلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ فَلاَ تَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ مِنْ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ، أَيْ أَنَّهُ لاَ يُسْتَعْمَل فِي الْعِبَادَاتِ، وَإِنَّمَا لاَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعِبَادَاتِ لأَِنَّهُ مَاءٌ تَغَيَّرَ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِطَهُورٍ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ فَلَمْ يَجُزِ الْوُضُوءُ بِهِ كَمَاءِ الْبَاقِلاَءِ الْمَغْلِيِّ، وَلأَِنَّهُ زَال عَنْ إِطْلاَقِهِ فَأَشْبَهَ الْمَغْلِيِّ.
وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، قَال الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ هِيَ الأَْصَحُّ (3) .
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ (4) أَنَّهُ يَجُوزُ
__________
(1) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 1 / 124، وجواهر الإكليل 1 / 6، والمهذب 1 / 12، والمغني 1 / 23 - 24.
(2) حديث أبي أمامة: " الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه ". أخرجه ابن ماجه (1 / 174) ، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 130) .
(3) جواهر الإكليل 1 / 6، والمهذب 1 / 12، ومغني المحتاج 1 / 18، 19، والمغني 1 / 12.
(4) المغني 1 / 12.
الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ الَّذِي اخْتَلَطَ بِطَاهِرٍ مِمَّا يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ مِنْهُ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَال: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (1) ، وَهَذَا عَامٌّ فِي كُل مَاءٍ فَلاَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِهِ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ (2) ، وَهَذَا وَاجِدٌ لِلْمَاءِ، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُسَافِرُونَ وَغَالِبُ أَسْقِيَتِهِمُ الأَْدَمُ، وَالْغَالِبُ أَنَّهَا تُغَيِّرُ الْمَاءَ فَلَمْ يُنْقَل عَنْهُمْ تَيَمُّمٌ مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْمِيَاهِ، وَلأَِنَّهُ طَهُورٌ خَالَطَهُ طَاهِرٌ لَمْ يَسْلُبْهُ اسْمَ الْمَاءِ (3) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الْمَاءُ الْمُطْلَقُ إِذَا خَالَطَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ كَاللَّبَنِ وَالْخَل وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَى وَجْهٍ زَال عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ بِأَنْ صَارَ مَغْلُوبًا بِهِ فَهُوَ بِمَعْنَى الْمَاءِ الْمُقَيَّدِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِنْ كَانَ الَّذِي خَالَطَهُ مِمَّا يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَ الْمَاءِ كَاللَّبَنِ وَمَاءِ الْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فِي اللَّوْنِ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الَّذِي خَالَطَهُ مِمَّا يُقْصَدُ مِنْهُ زِيَادَةُ نَظَافَةٍ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْصَدُ مِنْهُ ذَلِكَ وَيُطْبَخُ بِهِ أَوْ يُخَالَطُ بِهِ كَمَاءِ الصَّابُونِ وَالأُْشْنَانِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ
__________
(1) سورة المائدة / 6.
(2) حديث: " إن الصعيد الطيب طهور المسلم ". أخرجه الترمذي (1 / 212) وقال: حديث حسن صحيح.
(3) المغني 1 / 12.
الصفحة 350