كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)
الثَّوْبِ، إِذْ لاَ يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ إِلاَّ بِضَمَانٍ، وَهُوَ قِيمَةُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، وَلاَ سَبِيل إِلَى جَبْرِهِ عَلَى الضَّمَانِ لاِنْعِدَامِ مُبَاشَرَةِ سَبَبِ وُجُوبِ الضَّمَانِ مِنْهُ.
وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ بِصَبْغِهِ فَيُخَيَّرُ رَبُّهُ فِي أَخْذِهِ مَعَ أَرْشِ نَقْصِهِ، أَوْ أَخْذِ قِيمَةِ الثَّوْبِ يَوْمَ غَصْبِهِ.
وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الأَْلْوَانِ، فَوَافَقَ أَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا فِيمَا لَوْ كَانَ الْغَاصِبُ صَبَغَهُ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ أَمَّا لَوْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ فَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: صَاحِبُ الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ النُّقْصَانَ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّوَادَ نُقْصَانٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَلِلْحَنَفِيَّةِ قَوْلٌ آخَرُ، قِيل: إِنَّ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ خِيَارًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّ لَهُ تَرْكَ الثَّوْبِ عَلَى حَالِهِ وَكَانَ الصَّبْغُ فِيهِ لِلْغَاصِبِ فَيُبَاعُ الثَّوْبُ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا، لأَِنَّ التَّمْيِيزَ مُتَعَذِّرٌ فَصَارَا شَرِيكَيْنِ (1) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا: لَوْ غَصَبَ عُصْفُرًا وَثَوْبًا مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَصَبَغَهُ أَيِ الثَّوْبَ بِهِ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ يَأْخُذُ الثَّوْبَ مَصْبُوغًا وَيُبْرِئُ الْغَاصِبَ مِنَ الضَّمَانِ فِي الْعُصْفُرِ وَالثَّوْبِ
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 161.
اسْتِحْسَانًا، لأَِنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ وَاحِدٌ، وَلأَِنَّ خَلْطَ مَال الإِْنْسَانِ بِمَالِهِ لاَ يُعَدُّ اسْتِهْلاَكًا لَهُ بَل يَكُونُ نُقْصَانًا، فَإِذَا اخْتَارَ أَخْذَ الثَّوْبِ فَقَدْ أَبْرَأَهُ عَنِ النُّقْصَانِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ الْغَاصِبُ عُصْفُرًا مِثْلَهُ، ثُمَّ يَصِيرُ كَأَنَّهُ صَبَغَ ثَوْبَهُ بِعُصْفُرِ نَفْسِهِ، فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الثَّوْبِ (1) .
وَقَالُوا كَذَلِكَ: لَوْ غَصَبَ مِنْ إِنْسَانٍ ثَوْبًا وَمَنْ إِنْسَانٍ صِبْغًا فَصَبَغَهُ بِهِ: فَإِنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ لِصَاحِبِ الصِّبْغِ صِبْغًا مِثْل صِبْغِهِ، وَيُصْبِحُ مَالِكًا لِلصِّبْغِ بِالضَّمَانِ، وَصَاحِبُ الثَّوْبِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ مِنَ الْغَاصِبِ وَأَعْطَاهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الثَّوْبَ عَلَى الْغَاصِبِ وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبِهِ أَبْيَضَ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَقِيل يُبَاعُ الثَّوْبُ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ صَبَغَ الْغَاصِبُ الثَّوْبَ بِصَبْغِهِ وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ مِنْهُ بِأَنْ لَمْ يَنْعَقِدِ الصَّبْغُ بِهِ أُجْبِرَ عَلَى الْفَصْل وَإِنْ خَسِرَ كَثِيرًا أَوْ نَقَصَتْ قِيمَةُ الصَّبْغِ بِالْفَصْل فِي الأَْصَحِّ كَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، وَلَهُ الْفَصْل قَهْرًا عَلَى الْمَالِكِ وَإِنْ نَقَصَ الثَّوْبُ بِهِ لأَِنَّهُ يَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ فَإِنْ لَمْ يَحْصُل بِهِ نَقْصٌ فَكَالتَّزْوِيقِ فَلاَ يَسْتَقِل
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 162.
(2) بدائع الصنائع 7 / 161 - 162.
الصفحة 356