كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)
الثَّوْبِ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ وَسَلَّمَ الثَّوْبَ لِلأَْجِيرِ وَذَلِكَ لِفَوَاتِ غَرَضِهِ، لأَِنَّ الأَْغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأَْلْوَانِ، فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ لِتَفْوِيتِهِ عَلَيْهِ مَنْفَعَةً مَقْصُودَةً، فَصَارَ مُتْلِفًا الثَّوْبَ عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَى الأَْجِيرَ مَا زَادَ الصِّبْغُ فِيهِ، لأَِنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ حَقًّا لَهُ فَلَهُ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهُ، وَلاَ أَجْرَ لِلصَّبَّاغِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ رَأْسًا حَيْثُ لَمْ يُوَفِّ الْعَمَل الْمَأْذُونَ فِيهِ أَصْلاً فَلاَ يَسْتَحِقُّ الأَْجْرَ، وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الصِّبْغُ فِيهِ إِنْ كَانَ الصِّبْغُ مِمَّا يَزِيدُ كَالْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَنَحْوِهِمَا، لأَِنَّهُ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ بِالثَّوْبِ فَلاَ سَبِيل إِلَى أَخْذِهِ مَجَّانًا بِلاَ عِوَضٍ، فَيَأْخُذُهُ وَيُعْطِيهِ مَا زَادَ الصِّبْغُ فِيهِ رِعَايَةً لِلْحَقَّيْنِ وَنَظَرًا مِنَ الْجَانِبَيْنِ.
وَإِنْ كَانَ الصِّبْغُ مِمَّا لاَ يَزِيدُ كَالسَّوَادِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَهُ قِيمَةٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الأَْلْوَانِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ السَّوَادُ لاَ قِيمَةَ لَهُ عِنْدَهُ فَلاَ يَزِيدُ بَل يَنْقُصُ، وَعَلَى هَذَا الأَْسَاسِ لَوِ اخْتَارَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَخْذَهُ لاَ يُعْطِيهِ شَيْئًا نَظِيرَ الصِّبْغِ بَل يُضَمِّنُهُ نُقْصَانَ الثَّوْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَإِذَا أَمَرَ رَجُلاً أَنْ يُحَمِّرَ لَهُ بَيْتًا فَخَضَّرَهُ قَال مُحَمَّدٌ: أُعْطِيهِ مَا زَادَتِ الْخُضْرَةُ فِيهِ وَلاَ أُجْرَةَ
لَهُ، لأَِنَّهُ لَمْ يَعْمَل مَا اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهِ رَأْسًا فَلاَ يَسْتَحِقُّ الأُْجْرَةَ، وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ قِيمَةَ الصِّبْغِ الَّذِي زَادَ فِي الْبَيْتِ.
وَإِنْ دَفَعَ إِلَى صَبَّاغٍ ثَوْبًا لِيَصْبُغَهُ بِصِبْغٍ مُسَمًّى فَصَبَغَ بِصِبْغٍ آخَرَ لَكِنَّهُ مِنْ جَنْسِ ذَلِكَ اللَّوْنِ فَصَاحِبُ الثَّوْبِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَتَهُ أَبْيَضَ وَيُسَلِّمَ إِلَيْهِ الثَّوْبَ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لاَ يُجَاوِزُ بِهِ مَا سَمَّى، وَإِنَّمَا وَجَبَ الأَْجْرُ هُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلاَفًا لِمَا سَبَقَ، لأَِنَّ الْخِلاَفَ فِي الصِّفَةِ لاَ يُخْرِجُ الْعَمَل مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ فَقَدْ أَتَى بِأَصْل الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِوَصْفِهِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: مَنْ دَفَعَ إِلَى صَبَّاغٍ ثَوْبًا لِيَصْبُغَهُ فَصَبَغَهُ لَكِنْ صَاحِبُ الثَّوْبِ ادَّعَى أَنَّهُ طَلَبَ صَبْغَهُ بِلَوْنٍ آخَرَ وَقَال الصَّبَّاغُ: إِنَّهُ اللَّوْنُ الَّذِي طَلَبَهُ مِنْهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ فَالْقَوْل قَوْل الصَّبَّاغِ إِنْ كَانَ اللَّوْنُ الَّذِي صَبَغَهُ بِهِ يُشْبِهُ مَا يُنَاسِبُ مَالِكَ الثَّوْبِ فِي اسْتِعْمَالِهِ.
وَكُل هَذَا مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ تُؤَيِّدُ قَوْل الْمَالِكِ.
وَإِنْ كَانَ قَوْل الصَّبَّاغِ لَمْ يُشْبِهْ مَا يُنَاسَبُ مَالِكَ الثَّوْبِ فِي اسْتِعْمَالِهِ فَإِنَّ رَبَّ الثَّوْبِ يَحْلِفُ وَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِهِ وَدَفْعِ أُجْرَةِ
__________
(1) بدائع الصنائع 4 / 216.
الصفحة 359