كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)
وَقِيل: مَعْنَى الْقَدْرِ هُنَا التَّضْيِيقُ كَمِثْل قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} (1) وَمَعْنَى التَّضْيِيقِ فِيهَا إِخْفَاؤُهَا عَنِ الْعِلْمِ بِتَعْيِينِهَا، أَوْ لأَِنَّ الأَْرْضَ تَضِيقُ فِيهَا عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، وَقِيل: الْقَدْرُ هُنَا بِمَعْنَى الْقَدَرِ - بِفَتْحِ الدَّال - وَهُوَ مُؤَاخِي الْقَضَاءِ: أَيْ بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَالْفَصْل وَالْقَضَاءِ، قَال الْعُلَمَاءُ: سُمِّيَتْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لِمَا تَكْتُبُ فِيهَا الْمَلاَئِكَةُ مِنَ الأَْرْزَاقِ وَالآْجَال وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَيَقَعُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَهُمْ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ مَا يَدُل عَلَيْهِ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُل أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} (2) ، حَيْثُ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ اللَّيْلَةَ الْمُبَارَكَةَ الْوَارِدَةَ فِي هَذِهِ الآْيَةِ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَلَيْسَتْ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ (3) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ هِيَ لَيْلَةٌ شَرِيفَةٌ مُبَارَكَةٌ مُعَظَّمَةٌ مُفَضَّلَةٌ ثُمَّ قَال: وَقِيل: إِنَّمَا سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لأَِنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا مَا يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنْ خَيْرٍ وَمُصِيبَةٍ، وَرِزْقٍ وَبَرَكَةٍ (4) .
__________
(1) سورة الطلاق / 7.
(2) سورة الدخان / 3 - 5.
(3) المصباح المنير، والمفردات، وفتح الباري 4 / 255، ودليل الفالحين 3 / 649، والمجموع للنووي 6 / 447، والمغني لابن قدامة 3 / 178.
(4) المغني 3 / 178.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ
فَضْل لَيْلَةِ الْقَدْرِ
2 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ أَفَضْل اللَّيَالِي، وَأَنَّ الْعَمَل الصَّالِحَ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْعَمَل الصَّالِحِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، قَال تَعَالَى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (1) ، وَأَنَّهَا اللَّيْلَةُ الْمُبَارَكَةُ الَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُل أَمْرٍ حَكِيمٍ، وَالَّتِي وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُل أَمْرٍ حَكِيمٍ} (2) .
وَوَرَدَ فِي فَضْلِهَا أَيْضًا بِالإِْضَافَةِ إِلَى مَا سَبَقَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {تَنَزَّل الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُل أَمْرٍ} (3) ، قَال الْقُرْطُبِيُّ: أَيْ تَهْبِطُ مِنْ كُل سَمَاءٍ وَمِنْ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَيَنْزِلُونَ إِلَى الأَْرْضِ وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَاءِ النَّاسِ إِلَى وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَتَنْزِل الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِالرَّحْمَةِ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِكُل أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ وَقَضَاهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ إِلَى قَابِلٍ
. وَفِي فَضْل لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَيْضًا قَال اللَّهُ تَعَالَى:
__________
(1) سورة القدر / 3.
(2) فتح الباري 4 / 255 وما بعدها، ودليل الفالحين 3 / 649، وحاشية ابن عابدين 2 / 137، ومواهب الجليل 2 / 463، والمجموع 6 / 446 وما بعدها المغني 3 / 187، وشرح صحيح مسلم للنووي 8 / 57 وما بعدها، والآيتان من سورة الدخان 3 - 4.
(3) سورة القدر / 4.
الصفحة 361