كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)
{سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (1) . أَيْ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ سَلاَمَةٌ وَخَيْرٌ كُلُّهَا لاَ شَرَّ فِيهَا إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ،
قَال الضَّحَّاكُ: لاَ يُقَدِّرُ اللَّهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ إِلاَّ السِّلاَمَةَ وَفِي سَائِرِ اللَّيَالِيِ يَقْضِي بِالْبَلاَيَا وَالسَّلاَمَةِ،
وَقَال مُجَاهِدٌ: هِيَ لَيْلَةٌ سَالِمَةٌ لاَ يَسْتَطِيعُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَعْمَل فِيهَا سُوءًا وَلاَ أَذًى (2) .
إِحْيَاءُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ:
3 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ إِحْيَاءُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ (3) لِفِعْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاوَرَ فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ (4) ، وَلِمَا وَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَخَل الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْل وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ (5) ، وَالْقَصْدُ مِنْهُ إِحْيَاءُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا
__________
(1) سورة القدر / 5.
(2) تفسير القرطبي 20 / 133 - 134.
(3) مراقي الفلاح ص218، وفتح الباري 4 / 255 - 270، ودليل الفالحين 3 / 646، وما بعدها، وشرح صحيح مسلم 8 / 57 وما بعدها، والقليوبي 2 / 127، والمجموع 6 / 446 وما بعدها.
(4) حديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاور في العشر الأواخر. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 259) ومسلم (2 / 824) .
(5) حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحيا الليل. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 269) ومسلم (2 / 832) واللفظ لمسلم.
وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ (1) .
وَيَكُونُ إِحْيَاءُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَْعْمَال الصَّالِحَةِ، وَأَنْ يُكْثِرَ مِنْ دُعَاءِ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُول فِيهَا؟ قَال: قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي (2) ، قَال ابْنُ عَلاَّنَ: بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ أَهَمَّ الْمَطَالِبِ انْفِكَاكُ الإِْنْسَانِ مِنْ تَبَعَاتِ الذُّنُوبِ وَطَهَارَتُهُ مِنْ دَنَسِ الْعُيُوبِ، فَإِنَّ بِالطَّهَارَةِ مِنْ ذَلِكَ يَتَأَهَّل لِلاِنْتِظَامِ فِي سَلْكِ حِزْبِ اللَّهِ وَحِزْبُ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (3) .
اخْتِصَاصُ الأُْمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ
4 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَاصَّةٌ بِالأُْمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَلَمْ تَكُنْ فِي الأُْمَمِ السَّابِقَةِ (4) ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكِ بْنِ
__________
(1) حديث: " من قام ليلة القدر. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 255) من حديث أبي هريرة.
(2) حديث عائشة: " قلت يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر. . . ". أخرجه الترمذي (5 / 534) وقال: حديث حسن صحيح.
(3) مغني المحتاج 1 / 450، دليل الفالحين 3 / 654، ابن عابدين 2 / 137، فتح الباري 4 / 255 وما بعدها.
(4) فتح الباري 4 / 263، والمجموع 6 / 447 - 448، والفواكه الدواني 1 / 378.
الصفحة 362