كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)

مَحَل لَيْلَةِ الْقَدْرِ:
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَحَل لَيْلَةِ الْقَدْرِ
فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ مَحَل لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ دَائِرَةٌ مَعَهُ، لأَِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ أَنْزَل الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِقَوْلِهِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ} (1) .
وَأَخْبَرْنَا كَذَلِكَ أَنَّهُ أَنْزَل الْقُرْآنَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِل فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (2) ، الآْيَةَ، مِمَّا يَدُل عَلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مُنْحَصِرَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ دُونَ سَائِرِ لَيَالِي السَّنَةِ الأُْخْرَى (3) .
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِالأَْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالَّتِي سَبَقَ نَقْلُهَا وَهِيَ تَدُل عَلَى أَنَّ مَحَل لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إِلَى أَنَّ مَحَل لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ تَدُورُ فِيهَا، قَدْ تَكُونُ فِي رَمَضَانَ وَقَدْ تَكُونُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
__________
(1) سورة القدر / 1 - 2.
(2) سورة البقرة / 185.
(3) فتح الباري 4 / 251 - 263،267، 268، ودليل الفالحين 3 / 649، والمجموع 6 / 448، 458، والمغني 3 / 179، وتفسير القرطبي 20 / 135، والفواكه الدواني 1 / 378، وحاشية ابن عابدين 2 / 137.
أَنَّهُ كَانَ يَقُول: " مِنْ يَقُمِ الْحَوْل يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ " مُشِيرًا إِلَى أَنَّهَا فِي السَّنَةِ كُلِّهَا، وَلَمَّا بَلَغَ قَوْلُهُ هَذَا إِلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَلاَّ يَتَّكِل النَّاسُ (1) .
7 - وَاخْتَلَفَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي مَحَلِّهَا مِنَ الشَّهْرِ وَذَلِكَ بَعْدَمَا قَالُوا: يُسْتَحَبُّ طَلَبُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي جَمِيعِ لَيَالِي رَمَضَانَ وَفِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ آكَدُ، وَلَيَالِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ آكَدُ، لِلأَْحَادِيثِ السَّابِقَةِ.
وَفِيمَا يَلِي أَقْوَال الْعُلَمَاءِ فِي مَحَلِّهَا:

الْقَوْل الأَْوَّل: الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ لَدَى جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَالأَْوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لِكَثْرَةِ الأَْحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْتِمَاسِهَا فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَتُؤَكِّدُ أَنَّهَا فِي الأَْوْتَارِ وَمُنْحَصِرَةٌ فِيهَا.
وَالأَْشْهَرُ وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهَا لَيْلَةُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ.
وَبِهَذَا يَقُول الْحَنَابِلَةُ، فَقَدْ صَرَّحَ الْبُهُوتِيُّ
__________
(1) تفسير القرطبي 20 / 135، وحاشية ابن عابدين 2 / 137، والمجموع 6 / 459، 466، وفتح الباري 4 / 263، والمغني 3 / 179، ودليل الفالحين 3 / 649.

الصفحة 364