كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)

الْقَتْل الْعَمْدَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ.
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِذَا وَجَبَتْ فِي قَتْل الْخَطَأِ مَعَ عَدَمِ الْمَأْثَمِ، فَلأَِنْ تَجِبَ فِي الْعَمْدِ وَقَدْ تُغَلَّظُ بِالإِْثْمِ أَوْلَى، لأَِنَّهُ أَعْظَمُ إِثْمًا وَأَكْبَرُ جُرْمًا وَحَاجَةُ الْقَاتِل إِلَى تَكْفِيرِ ذَنْبِهِ أَعْظَمُ (1) .

الْكَفَّارَةُ فِي الْقَتْل بِالتَّسَبُّبِ:
16 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْل بِالتَّسَبُّبِ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (2) إِلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْل بِالتَّسَبُّبِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَفَّارَةَ فِي الْقَتْل الْخَطَأِ دُونَ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ كَوْنِ الْقَتْل قَدْ وَقَعَ عَلَى سَبِيل الْمُبَاشَرَةِ أَوِ التَّسَبُّبِ.
وَلأَِنَّهُ قَتَل آدَمِيًّا مَمْنُوعًا مِنْ قَتْلِهِ لِحُرْمَتِهِ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِالْمُبَاشَرَةِ (3) . وَلأَِنَّ السَّبَبَ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي إِيجَابِ الضَّمَانِ، فَكَانَ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ (4) .
__________
(1) مغني المحتاج 4 / 107.
(2) مواهب الجليل 6 / 242، وحاشية الرهوني على شرح الزرقاني 8 / 17، وروضة الطالبين 9 / 380، والمغني 8 / 93.
(3) مغني المحتاج 4 / 108.
(4) مغني المحتاج 4 / 108.
وَلأَِنَّ فِعْل الْقَاتِل سَبَبٌ لإِِتْلاَفِ الآْدَمِيِّ يَتَعَلَّقُ بِهِ ضَمَانُهُ، فَتَعَلَّقَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ كَانَ رَاكِبًا فَأَوْطَأَ دَابَّتَهُ إِنْسَانًا (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْل بِالتَّسَبُّبِ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا تَجِبُ بِتَحَقُّقِ الْقَتْل، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَتْل بِالْمُبَاشَرَةِ، أَمَّا الْقَتْل بِالتَّسَبُّبِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عَقْدِهِ، فَلَمْ يَسْتَنِدِ الْفِعْل إِلَيْهِ (2) .

الْكَفَّارَةُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَنِينِ
17 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيمَا إِذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ أَوْ ضَرَبَتِ امْرَأَةٌ بَطْنَ نَفْسِهَا، أَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتُسْقِطَ وَلَدَهَا عَمْدًا، فَأَلْقَتْ جَنِينًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ.
وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيمَا إِذَا أَلْقَتِ الْمَرْأَةُ جَنِينًا مَيِّتًا، بِعُدْوَانٍ:
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْل عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَإِسْحَاقَ إِلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ (3) ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَل مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} ،
__________
(1) المغني لابن قدامة 8 / 93.
(2) تبيين الحقائق 6 / 142، 144.
(3) الجامع لأحكام القرآن 5 / 323، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد 2 / 381، ومغني المحتاج 4 / 108، والمغني 8 / 96، وكشاف القناع 6 / 65.

الصفحة 53