كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي كُل قَتْلٍ خَطَأٍ دُونَ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ جَنِينٍ وَغَيْرِهِ، وَالْجَنِينُ مَقْتُولٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَدْخُل فِي هَذَا الْعُمُومِ، لأَِنَّنَا حَكَمْنَا لَهُ بِالإِْيمَانِ تَبَعًا لأَِبَوَيْهِ، فَيَكُونُ دَاخِلاً فِي عُمُومِ هَذَا النَّصِّ وَلاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ دَلِيلٌ آخَرُ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدُ (1) ، وَلأَِنَّهُ آدَمِيٌّ مَعْصُومٌ وَبِذَلِكَ قَضَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (2) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْجَنِينِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ (3) ، فَقَدْ قَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغُرَّةِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَفَّارَةَ، وَلَوْ وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ لَذَكَرَهَا، لأَِنَّ هَذَا بَيَانٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ وَلاَ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.
وَقَالُوا: إِنَّ الْكَفَّارَةَ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، لأَِنَّهَا شُرِعَتْ زَاجِرَةً، وَفِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ، لأَِنَّهَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، وَقَدْ عُرِفَ وُجُوبُهَا فِي النَّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ - وَالْجَنِينُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ - فَلاَ يَتَعَدَّاهَا، لأَِنَّ الْعُقُوبَةَ لاَ يَجْرِي فِيهَا الْقِيَاسُ.
وَإِنَّ الْجَنِينَ جُزْءٌ أَوْ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ، فَلاَ
__________
(1) كشاف القناع 6 / 66.
(2) مغني المحتاج 4 / 108.
(3) حديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالغرة في الجنين ". أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 247) ، ومسلم (3 / 1309) من حديث أبي هريرة.
يَدْخُل تَحْتَ مُطْلَقِ النَّصِّ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ فِيهِ كُل الْبَدَل، فَكَذَا لاَ تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، لأَِنَّ الأَْعْضَاءَ لاَ كَفَّارَةَ فِيهَا، لأَِنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا، فَإِذَا تَقَرَّبَ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَانَ أَفْضَل لَهُ، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى مِمَّا صَنَعَ مِنَ الْجَرِيمَةِ الْعَظِيمَةِ.
وَكَذَلِكَ فَإِنَّ الْقَتْل غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ لِجَوَازِ أَنَّ الْحَيَاةَ لَمْ تُخْلَقْ فِيهِ، حَيْثُ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَلاَ سَلاَمَتُهُ، وَالْكَفَّارَةُ إِنَّمَا تَجِبُ بِتَحَقُّقِ الْقَتْل (1) .
تَعَدُّدُ الْكَفَّارَةِ بِتَعَدُّدِ الْقَاتِل
18 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ بِتَعَدُّدِ الْقَاتِلِينَ وَاتِّحَادِ الْمَقْتُول عَلَى قَوْلَيْنِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى كُل مَنِ اشْتَرَكَ فِي قَتْلٍ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَبِهِ قَال الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ وَالثَّوْرِيُّ (2) .
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ وَجَبَتْ لاَ عَلَى سَبِيل الْبَدَل عَنِ النَّفْسِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى كُل وَاحِدٍ مِنَ الْجَمَاعَةِ إِذَا اشْتَرَكُوا فِي سَبَبِهَا، لأَِنَّ مَا كَانَ يَجِبُ عَلَى الْوَاحِدِ إِذَا انْفَرَدَ يَجِبُ عَلَى
__________
(1) تبيين الحقائق للزيلعي 6 / 128، 141، 143، وبدائع الصنائع 7 / 326.
(2) بدائع الصنائع 7 / 252، والبناية شرح الهداية للعيني 10 / 49، والجامع لأحكام القرآن 5 / 331، ومغني المحتاج 4 / 108، والمغني 8 / 95.
الصفحة 54