كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (1) ، وَالْمَالِكِيَّةُ (2) ، وَبِهِ قَال عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ (3) .
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلاً أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً (4) .
وَبِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْل الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُظَاهِرِ (5) .
وَوَجْهُ الدَّلاَلَةِ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فِي الْحَدِيثِ الأَْوَّل مَنْ أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً دُونَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ إِفْطَارٍ وَإِفْطَارٍ، وَجَعَل جَزَاءَ الْفِطْرِ مُتَعَمِّدًا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي جَزَاءَ الْمُظَاهِرِ مُطْلَقًا، وَالْمُظَاهِرُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، فَتَجِبُ عَلَى كُل مَنْ أَفْطَرَ بِأَكْلٍ أَوْ بِغَيْرِهِ.
وَقَالُوا: إِنَّ الْكَفَّارَةَ تَتَعَلَّقُ بِالإِْفْسَادِ لِهَتْكِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ عَلَى سَبِيل الْكَمَال لاَ بِالْجِمَاعِ، لأَِنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الإِْفْسَادُ دُونَ الْجِمَاعِ، وَلِهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ بِوَطْءِ مَنْكُوحَتِهِ وَمَمْلُوكَتِهِ إِذَا كَانَ
__________
(1) تبيين الحقائق 1 / 327.
(2) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير 1 / 527، 528.
(3) المغني 3 / 115، والمجموع 6 / 330.
(4) حديث أبي هريرة: " أن رجلاً أفطر في رمضان. . . ". أخرجه الدارقطني (2 / 191) ورجح إرساله.
(5) حديث: " من أفطر في رمضان متعمدًا. . . ". قال عنه الزيلعي في نصب الراية (2 / 449) : حديث غريب بهذا اللفظ، لم أجده.
بِالنَّهَارِ لِوُجُودِ الإِْفْسَادِ، لاَ بِاللَّيْل لِعَدَمِهِ، بِخِلاَفِ الْحَدِّ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَعَل عِلَّةً لَهَا بِقَوْلِهِ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ. . . الْحَدِيثَ، فَبَطَل الْقَوْل بِتَعَلُّقِهَا بِالْجِمَاعِ.
وَلاَ نُسَلِّمُ أَنَّ شَهْوَةَ الْفَرْجِ أَشَدُّ هَيَجَانًا وَلاَ الصَّبْرَ عَنِ اقْتِضَائِهِ أَشَدُّ عَلَى الْمَرْءِ، بَل شَهْوَةُ الْبَطْنِ أَشَدُّ، وَهُوَ يُفْضِي إِلَى الْهَلاَكِ، وَلِهَذَا رَخَّصَ فِيهِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِئَلاَّ يَهْلِكَ، بِخِلاَفِ الْفَرْجِ، وَلأَِنَّ الصَّوْمَ يُضْعِفُ شَهْوَةَ الْفَرْجِ، وَلِهَذَا أَمَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْعَزَبَ بِالصَّوْمِ وَالأَْكْل يُقَوِّي شَهْوَةَ الْبَطْنِ، فَكَانَ أَدْعَى إِلَى الزَّاجِرِ (1) .
الْقَوْل الثَّانِي: عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِتَعَمُّدِ الأَْكْل وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهِمَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ (2) ، وَالْحَنَابِلَةُ (3) ، وَبِهِ قَال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَحَمَّادٌ وَدَاوُدُ (4) .
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الأَْصْل عَدَمُ الْكَفَّارَةِ إِلاَّ فِيمَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي الْجِمَاعِ، وَمَا سِوَاهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ، لأَِنَّ الْجِمَاعَ أَغْلَظُ، وَلِهَذَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ فِي
__________
(1) تبيين الحقائق 1 / 328.
(2) المجموع 6 / 328، 329.
(3) المغني 3 / 115.
(4) المجموع 6 / 329.
الصفحة 60