كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)

فَلاَ يَحْنَثُ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا.
وَبِأَنَّ الإِْنْزَال مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ، فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ قِصَاصًا فَمَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ.
وَبِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُسْتَطَاعُ الاِمْتِنَاعُ عَنْهُ، وَمِمَّا لاَ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَكَانَ عَفْوًا (1) .

الْقَوْل الثَّانِي: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
وَبِهِ قَال ابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي وَجُمْهُورُ الْحَنَابِلَةِ، وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ (2) .
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ فِي حَال النَّزْعِ مُبَاشِرٌ لِلْجِمَاعِ، لأَِنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ يُتَلَذَّذُ بِهِ، فَتَعَلَّقَ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالاِسْتِدَامَةِ (3) .

ب - اسْتِدَامَةُ الْجِمَاعِ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ
29 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَاجِبِ عَلَى مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ، فَاسْتَدَامَ الْجِمَاعَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْل الأَْوَّل: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ: الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (4) .
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ مَنْعُ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ
__________
(1) المغني 3 / 126، والمجموع 6 / 303، 322، والمبسوط للسرخسي 3 / 140، 141.
(2) المغني 3 / 126، كشاف القناع 2 / 325، وتبيين الحقائق 1 / 344.
(3) تبيين الحقائق 1 / 344، المغني 3 / 126.
(4) مواهب الجليل 2 / 441، والمجموع 6 / 309، والمغني 3 / 126.
بِجِمَاعٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَأَثِمَ بِهِ لِحُرْمَةِ الصَّوْمِ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ وَطِئَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ فِي أَثَنَاءِ النَّهَارِ.
وَبِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِعْل هُنَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ كَفَّارَةٌ، فَوَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ بِاسْتِدَامَتِهِ، لِئَلاَّ يَخْلُوَ جِمَاعٌ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا مِنْ كَفَّارَةٍ (1) .

الْقَوْل الثَّانِي: لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ (2) .
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلْكَفَّارَةِ عِنْدَهُمْ هُوَ الْفِطْرُ عَلَى وَجْهٍ تَتَكَامَل بِهِ الْجِنَايَةُ وَذَلِكَ لَمْ يُوجَدْ فِيمَا إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، وَهُوَ مُخَالِطٌ لأَِهْلِهِ، فَدَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ، لأَِنَّ شُرُوعَهُ فِي الصَّوْمِ لَمْ يَصِحَّ مَعَ الْمُجَامَعَةِ، وَالْفِطْرُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ، وَلَمْ يُوجَدْ.
وَقَالُوا أَيْضًا: وَلَئِنْ كَانَ الْمُوجِبُ لِلْكَفَّارَةِ الْجِمَاعَ الْمُعْدِمَ لِلصَّوْمِ فَالْجِمَاعُ هُوَ إِدْخَال الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بَعْدَ التَّذَكُّرِ وَلاَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِدْخَال الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ، وَإِنَّمَا وُجِدَ مِنْهُ الاِسْتِدَامَةُ وَذَلِكَ غَيْرُ الإِْدْخَال، أَلاَ تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لاَ يَدْخُل دَارًا وَهُوَ فِيهَا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ مَكَثَ فِي الدَّارِ سَاعَةً، فَهَذَا مِثْلُهُ (3) .
__________
(1) المغني 3 / 126، 127، والمجموع 6 / 309، 310.
(2) تبيين الحقائق 1 / 340، والمبسوط 3 / 141.
(3) المبسوط 3 / 141.

الصفحة 64