كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)
وَوَجْهُ الدَّلاَلَةِ مِنَ الآْيَةِ: أَنَّهَا أَوْجَبَتِ الْجَزَاءَ عَلَى الْعَامِدِ بِعُمُومِهَا، وَذِكْرُ الْعُقُوبَةِ فِي الثَّانِيَةِ لاَ يَمْنَعُ الْوُجُوبَ، كَمَا قَال اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .
فَأَثْبَتَ أَنَّ الْعَائِدَ لَوِ انْتَهَى كَانَ لَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ (1) .
يَقُول النَّوَوِيُّ: وَفِي هَذِهِ الآْيَةِ دَلاَلَتَانِ:
الأُْولَى: أَنَّ لَفْظَ الصَّيْدِ إِشَارَةٌ إِلَى الْجِنْسِ، لأَِنَّ الأَْلِفَ وَاللاَّمَ يَدْخُلاَنِ لِلْجِنْسِ أَوْ لِلْعَهْدِ، وَلَيْسَ فِي الصَّيْدِ مَعْهُودٌ، فَتَعَيَّنَ الْجِنْسُ وَأَنَّ الْجِنْسَ يَتَنَاوَل الْجُمْلَةَ وَالأَْفْرَادَ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ} يَعُودُ إِلَى جُمْلَةِ الْجِنْسِ وَآحَادِهِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَال: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْل مَا قَتَل مِنَ النَّعَمِ} وَحَقِيقَةُ الْمُمَاثَلَةِ: أَنْ يَفْدِيَ الْوَاحِدَ بِوَاحِدٍ، وَالاِثْنَيْنِ بِاثْنَيْنِ، وَالْمِائَةَ بِمِائَةٍ، وَلاَ يَكُونُ الْوَاحِدُ مِنَ النَّعَمِ مَثَلاً لِجَمَاعَةٍ صَيُودٌ (2) .
__________
(1) المغني 3 / 522، 523.
(2) المجموع 7 / 323.
وَقَالُوا إِنَّ الصَّيْدَ نَفْسٌ تُضْمَنُ بِالْكَفَّارَةِ، فَتَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِ الْقَتْل، فَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُبْتَدِئُ وَالْعَائِدُ كَقَتْل الآْدَمِيِّ (1) .
وَإِنَّهَا غَرَامَةُ مُتْلِفٍ يَجِبُ بِهِ الْمِثْل أَوِ الْقِيمَةُ، فَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ الإِْتْلاَفِ، كَمَا فِي الآْدَمِيِّ (2) .
وَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ قِيَاسُ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى غَيْرِهِ، لأَِنَّ جَزَاءَهُ مُقَدَّرٌ بِهِ وَيَخْتَلِفُ بِصِغَرِهِ وَكِبَرِهِ، وَإِنَّمَا يُقَاسُ عَلَى مَنْ أَتْلَفَ صَيْدَيْنِ مَعًا، حَيْثُ يَجِبُ جَزَاؤُهُمَا عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إِذَا تَفَرَّقَا (3) .
قَال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: وَلأَِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَتَل صَيْدَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَزِمَهُ جَزَاءَانِ، فَإِذَا تَكَرَّرَ قَتْلُهُمَا مَعًا، وَجَبَ تَكَرُّرُهُ بِقَتْلِهِمَا مُرَتَّبًا كَالْعَبْدَيْنِ وَسَائِرِ الأَْمْوَال (4) .
الْقَوْل الثَّانِي: يَجِبُ الْجَزَاءُ بِالصَّيْدِ الأَْوَّل دُونَ مَا بَعْدَهُ، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَال شُرَيْحٌ وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى: إِنْ كَفَّرَ عَنِ الأَْوَّل فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِلاَّ فَلاَ شَيْءَ لِلثَّانِي (5) .
__________
(1) المجموع 7 / 323.
(2) المغني 3 / 522، والمجموع 7 / 436.
(3) المغني 3 / 523.
(4) المجموع 7 / 323، 324.
(5) المغني 3 / 522.
الصفحة 70