كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)
وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ (1) . وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ يَقُول: مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيل (2) . وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الإِْبَاحَةِ، ظَاهِرٌ فِي إِسْقَاطِ الْفِدْيَةِ، لأَِنَّهُ أَمَرَ بِلُبْسِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ فِدْيَةً.
كَمَا يَقْتَضِي تَجْوِيزَ اللُّبْسِ عِنْدَ فَقْدِ الإِْزَارِ، وَالأَْصْل فِي مُبَاشَرَةِ الْجَائِزَاتِ نَفْيُ الْمُؤَاخَذَةِ، فَدَل هَذَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بِاسْتِعْمَال السَّرَاوِيل لِلْمُحْرِمِ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ الإِْزَارِ (3) .
وَقَالُوا: لُبْسُ السَّرَاوِيل مُخْتَصٌّ بِحَالَةِ عَدَمِ وُجُودِ غَيْرِهِ (الإِْزَارِ) فَلَمْ تَجِبْ بِهِ فِدْيَةٌ، قِيَاسًا عَلَى مَنْ عَدِمَ النَّعْلَيْنِ، فَإِنَّ لَهُ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ الْمَقْطُوعَيْنِ، وَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِالاِتِّفَاقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ مِنْ تَحْرِيمِ لُبْسِ الْقَمِيصِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الرِّدَاءَ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ لُبْسُهُ، فَلاَ ضَرُورَةَ إِلَيْهِ، بِخِلاَفِ الإِْزَارِ فَإِنَّهُ يَجِبُ
__________
(1) المجموع 7 / 249، 260، 451، 453، والمغني 1 / 301، وبداية المجتهد 1 / 318.
(2) حديث ابن عباس رضي الله عنهما: " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 57) ، ومسلم (2 / 835) واللفظ للبخاري.
(3) المغني 3 / 301.
لُبْسُهُ لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ عَدَل إِلَى السَّرَاوِيل وَلأَِنَّ السَّرَاوِيل لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّزِرَ بِهِ، وَيُمْكِنَهُ أَنْ يَرْتَدِيَ الْقَمِيصَ (لِذَا قُلْنَا) لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَّزِرَ بِالسَّرَاوِيل لَمْ يَجُزْ لُبْسُهُ (1) .
وَقَالُوا إِنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الَّذِي وَرَدَ فِيهِ النَّهْيُ مُطْلَقًا عَنْ لُبْسِ هَذِهِ الأَْشْيَاءِ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَيُحْمَل الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ.
الْقَوْل الثَّانِي: وُجُوبُ الْفِدْيَةِ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ (2) .
وَاسْتَدَلُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى لُبْسِ الْقَمِيصِ، فَكَمَا يَحْرُمُ لُبْسُهُ إِذَا لَمْ يَجِدِ الرِّدَاءَ وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ بِهِ، فَكَذَا السَّرَاوِيل إِذَا لَمْ يَجِدِ الإِْزَارَ فَإِنَّهُ تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِلُبْسِهِ (3) .
لُبْسُ الْخُفَّيْنِ لِعَدَمِ النَّعْلَيْنِ
52 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ لُبْسِ الْخُفَّيْنِ عِنْدَ عَدَمِ النَّعْلَيْنِ.
وَإِنَّمَا الْخِلاَفُ بَيْنَهُمْ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَقْطَعْهُمَا إِذَا لَبِسَهُمَا لِعَدَمِ النَّعْلَيْنِ، وَفِي وُجُوبِهَا عَلَى مَنْ لَبِسَهُمَا مَقْطُوعَيْنِ مَعَ وُجُودِ النَّعْلَيْنِ.
__________
(1) المغني 3 / 301، والمجموع 7 / 266.
(2) المبسوط 4 / 128، وبداية المجتهد 1 / 318.
(3) المبسوط 4 / 126، 128.
الصفحة 80