كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} وَوَجْهُ الدَّلاَلَةِ مِنَ الآْيَةِ: أَنَّ الْخِطَابَ فِيهَا مُوَجَّهٌ لِلرِّجَال، وَلَيْسَ لِلنِّسَاءِ، لأَِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل قَال: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ} وَلَمْ يَقُل: وَاللاَّئِي تُظَاهِرْنَ مِنْكُمْ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ، فَدَل ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ إِنَّمَا هُوَ خَاصٌّ بِالرِّجَال (1) .
وَقَالُوا إِنَّ الظِّهَارَ قَوْلٌ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ فِي الزَّوْجَةِ، وَيَمْلِكُ الزَّوْجُ رَفْعَهُ، لأَِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالنِّكَاحِ، فَاخْتَصَّ بِهِ الرَّجُل دُونَ الْمَرْأَةِ، لأَِنَّهَا لاَ تَمْلِكُ التَّحْرِيمَ بِالْقَوْل كَالطَّلاَقِ (2) .
وَأَضَافُوا إِنَّ الْحَل وَالْعَقْدَ (التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيمَ) فِي النِّكَاحِ بِيَدِ الرِّجَال وَلَيْسَ بِيَدِ الْمَرْأَةِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَهُوَ حَقٌّ لِلرَّجُل، فَلَمْ تَمْلِكِ الْمَرْأَةُ إِزَالَتَهُ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (3) .

الْقَوْل الثَّانِي: إِنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
قَال الْقَاضِي: لاَ تَكُونُ مُظَاهِرَةً رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وَاخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الْكَفَّارَةِ.
فَنَقَل عَنْهُ جَمَاعَةٌ: عَلَيْهَا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ لِمَا رَوَى الأَْثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَائِشَةَ
__________
(1) المغني 7 / 384، والجامع لأحكام القرآن 17 / 276.
(2) المغني 7 / 384، والمبسوط 5 / 227، وتفسير الرازي 29 / 253.
(3) المغني 7 / 384، والجامع لأحكام القرآن 17 / 276.
بِنْتَ طَلْحَةَ قَالَتْ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَهُوَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي، فَسَأَلَتُ أَهْل الْمَدِينَةِ فَرَأَوْا أَنَّ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةَ، وَلأَِنَّهَا زَوْجٌ أَتَى بِالْمُنْكَرِ مِنَ الْقَوْل وَالزُّورِ فَلَزِمَهُ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَحْمَدَ: لَيْسَ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ، لأَِنَّهُ قَوْلٌ مُنْكَرٌ وَزُورٌ وَلَيْسَ بِظِهَارٍ، فَلَمْ يُوجِبْ كَفَّارَةً.
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ، عَلَيْهَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ: قَال ابْنُ قُدَامَةَ وَهَذَا أَقْيَسُ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَأَشْبَهُ بِأُصُولِهِ، لأَِنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ، وَمُجَرَّدُ الْقَوْل مِنَ الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ لاَ يُوجِبُ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ (1) .

الْقَوْل الثَّالِثُ: إِنَّهُ ظِهَارٌ وَعَلَيْهَا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَهَذَا قَوْل أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، لأَِنَّ الْمَعْنَى فِي جَانِبِ الرَّجُل تَشْبِيهُ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي جَانِبِهَا، وَالْحِل مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا (2) .

سُقُوطُ الْكَفَّارَةِ بِالاِسْتِثْنَاءِ بِالْمَشِيئَةِ:
59 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ بِالاِسْتِثْنَاءِ بِالْمَشِيئَةِ فِي الظِّهَارِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْل الأَْوَّل: سُقُوطُ الْكَفَّارَةِ بِالاِسْتِثْنَاءِ بِالْمَشِيئَةِ فِي الظِّهَارِ وَعَدَمِ انْعِقَادِهِ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ،
__________
(1) المغني 7 / 384، والجامع لأحكام القرآن 17 / 276.
(2) حاشية ابن عابدين 2 / 575، والمبسوط 6 / 227.

الصفحة 86