كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)
كَانَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ، نَوَى بِذَلِكَ التَّأْكِيدَ أَوِ الاِسْتِئْنَافَ أَوْ أَطْلَقَ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَبِهِ قَال عَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَطَاوُسٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ 17 وَابْنُ حَامِدٍ وَالْقَاضِي، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ (1) .
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} .
فَفِيهَا دَلاَلَةٌ عَلَى عَدَمِ تَعَدُّدِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ مِرَارًا، لأَِنَّهَا عَامَّةٌ تَتَنَاوَل مَنْ ظَاهَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَمَنْ ظَاهَرَ مِرَارًا كَثِيرَةً، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ التَّكْفِيرَ الْوَاحِدَ كَافٍ فِي الظِّهَارِ، سَوَاءٌ كَانَ مَرَّةً وَاحِدَةً أَمْ مِرَارًا كَثِيرَةً (2) .
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يُؤَثِّرْ تَحْرِيمًا فِي الزَّوْجَةِ، لأَِنَّهَا قَدْ حَرُمَتْ بِالْقَوْل الأَْوَّل، فَلَمْ تَجِبْ بِهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى (3) .
وَأَنَّهُ لَفْظٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ كَفَّارَةٌ، فَإِذَا كَرَّرَهُ كَفَاهُ
__________
(1) حاشية الدسوقي 2 / 445، والمغني 7 / 386، وروضة الطالبين 8 / 276.
(2) تفسير الرازي 29 / 360.
(3) المغني 7 / 286.
وَاحِدَةٌ، كَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى (1) .
الْقَوْل الثَّانِي: تَعَدُّدُ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ مِرَارًا وَلَمْ يُكَفِّرْ إِذَا لَمْ يَرِدْ بِهِ التَّأْكِيدُ.
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَقَتَادَةَ (2) .
وَاسْتَدَل هَؤُلاَءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} .
وَجْهُ الدَّلاَلَةِ مِنَ الآْيَةِ: أَنَّهَا تُفِيدُ تَعَدُّدَ الْكَفَّارَةِ بِتَعَدُّدِ الظِّهَارِ لأَِنَّهَا تَقْتَضِي كَوْنَ الظِّهَارِ عِلَّةً لإِِيجَابِ الْكَفَّارَةِ، فَإِذَا وُجِدَ الظِّهَارُ الثَّانِي وُجِدَتْ عِلَّةُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَهَذَا الظِّهَارُ الثَّانِي: إِمَّا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلْكَفَّارَةِ الأُْولَى، أَوْ لِكَفَّارَةٍ ثَانِيَةٍ وَالأَْوَّل بَاطِلٌ لأَِنَّ الْكَفَّارَةَ الأُْولَى وَجَبَتْ بِالظِّهَارِ الأَْوَّل، فَتَكْوِينُ الْكَائِنِ مُحَالٌ، كَمَا أَنَّ تَأَخُّرَ الْعِلَّةِ عَنِ الْحُكْمِ مُحَالٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الظِّهَارَ الثَّانِيَ يُوجِبُ كَفَّارَةً ثَانِيَةً (3) .
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِقِيَاسِ الظِّهَارِ عَلَى الطَّلاَقِ، فَإِذَا نَوَى الاِسْتِئْنَافَ تَعَلَّقَ بِكُل مَرَّةٍ حُكْمٌ كَالطَّلاَقِ (4) .
وَأَنَّ كُل ظِهَارٍ يُوجِبُ تَحْرِيمًا لاَ يَرْتَفِعُ إِلاَّ
__________
(1) المغني 7 / 286.
(2) المبسوط 5 / 226، والمغني 7 / 386.
(3) تفسير الرازي 29 / 259.
(4) المغني 7 / 386.
الصفحة 88