كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 35)

ب - الْبُلُوغُ وَالْعَقْل:
72 - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ وَالْعَقْل فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْقَاتِل، فَتَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ عِنْدَهُمْ.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقٌّ مَالِيٌّ فَتَجِبُ فِي مَالِهِمَا، فَيُعْتِقُ الْوَلِيُّ عَنْهُمَا مِنْ مَالِهِمَا وَلاَ يَصُومُ بِحَالٍ، وَإِنْ صَامَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ أَجْزَأَهُ.
وَلأَِنَّ الْكَفَّارَةَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ أَيْ جَعَل الشَّيْءَ سَبَبًا، فَالشَّارِعُ جَعَل الْقَتْل سَبَبًا لِتَحْرِيرِ الرَّقَبَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، وَالصَّوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ عِنْدَ الْعَجْزِ وَلَمْ يَجْعَل ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ، فَالصَّبِيُّ أَهْلٌ لِلصَّوْمِ بِاعْتِبَارِ الْمُسْتَقْبَل.
وَقَالُوا: إِنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ لَمْ تَجِبْ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لأَِنَّ سَبَبَهَا قَوْلٌ وَالْقَوْل غَيْرُ مُعْتَبَرٍ مِنْهُمَا، بِخِلاَفِ كَفَّارَةِ الْقَتْل فَإِنَّ سَبَبَهَا فِعْلٌ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ مِنَ الْجَمِيعِ (1) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْبُلُوغَ وَالْعَقْل شَرْطَانِ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْقَتْل، فَلاَ كَفَّارَةَ عَلَى الْقَاتِل الصَّبِيِّ أَوِ الْمَجْنُونِ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا وَلأَِنَّ الْقَتْل مَعْدُومٌ مِنْهُمَا حَقِيقَةً (2) .
__________
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 286، ومغني المحتاج 4 / 107، والكافي لابن قدامة 4 / 143.
(2) البناية على الهداية 10 / 18، وبدائع الصنائع 7 / 293.
ج - الاِخْتِيَارُ:
73 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ هَذَا الشَّرْطِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الأَْوَّل: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْقَاتِل أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا، وَأَنَّهَا لاَ تَجِبُ عَلَى الْقَاتِل الْمُكْرَهِ لأَِنَّهُ مَسْلُوبُ الإِْرَادَةِ (1) ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (2) ، فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُل عَلَى نَفْيِ الإِْثْمِ عَنِ الْمُكْرَهِ وَالْمُخْطِئِ، وَنَفْيُ الإِْثْمِ يُوجِبُ نَفْيَ الْكَفَّارَةِ، لأَِنَّهَا شُرِعَتْ لِمَحْوِهِ.
الثَّانِي: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ الاِخْتِيَارُ فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمُكْرَهِ لأَِنَّهُ بَاشَرَ الْقَتْل، وَلأَِنَّ الْكَفَّارَةَ عِبَادَةٌ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا (3) .

د - الْحُرِّيَّةُ فِي الْقَاتِل:
74 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الأَْوَّل: يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ اشْتِرَاطَ حُرِّيَّةِ الْقَاتِل لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ لأَِنَّ الْعَبْدَ
__________
(1) المراجع السابقة.
(2) حديث: " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان. . . ". أخرجه ابن ماجه (1 / 659) والحاكم (2 / 198) من حديث ابن عباس، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(3) مغني المحتاج 4 / 107، 108.

الصفحة 99