كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 36)

وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّ الْوَلِيَّ لاَ يَمْلِكُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، فَلاَ يَمْلِكُ الإِْذْنَ بِهَا.
أَمَّا الْوَصِيَّةُ، وَالصُّلْحُ، وَالإِْعَارَةُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جِوَازِهَا نَظَرًا لِمَا رَأَوْهُ فِيهَا مِنْ نَفْعٍ أَوْ ضَرَرٍ (1) .

ج - أَمَّا تَصَرُّفُ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ قَبْل إِذْنِ الْوَلِيِّ، أَوْ بَعْدَ إِذْنِهِ، فَتَصَرُّفُهُ قَبْل الإِْذْنِ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا، وَيَكُونُ نَفَاذُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ وَلِيِّهِ، إِنْ أَجَازَهُ لَزِمَ، وَإِنْ رَدَّهُ فُسِخَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَتَعْلِيل ذَلِكَ: أَنَّ عِبَارَةَ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ صَحِيحَةٌ؛ لأَِنَّهُ قَاصِدٌ لَهَا، فَاهِمٌ لِمَعْنَاهَا، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَلاَ مَعْنَى لإِِلْغَائِهَا، وَلأَِنَّ فِي تَصْحِيحِ عِبَارَتِهِ تَعْوِيدًا لَهُ عَلَى التِّجَارَةِ، وَمِرَانًا وَاخْتِبَارًا لِمَدَى مَا وَصَل إِلَيْهِ مِنْ إِدْرَاكٍ، مِمَّا يُسَهِّل الْحُكْمَ بِرُشْدِهِ، أَوْ عَدَمِ رُشْدِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ (2) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي رِوَايَةٍ - إِلَى
__________
(1) بدائع الصنائع للكاساني 8 / 3910، ومغني المحتاج 2 / 397، وتحفة المحتاج لابن حجر 6 / 236، ونهاية المحتاج للرملي 4 / 224.
(2) كشف الأسرار للبخاري 4 / 256، 257، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 4 / 267، وبدائع الصنائع للكاساني 6 / 3022، والمبدع لابن مفلح 4 / 8، والبهجة شرح التحفة للتسولي 2 / 304.
عَدَمِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ بِدُونِ إِذْنِ وَلِيِّهِ؛ لأَِنَّ عِبَارَتَهُ مُلْغَاةٌ، فَلاَ تَصِحُّ بِهَا الْعُقُودُ، وَلأَِنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، فَلاَ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ كَالسَّفِيهِ، وَلأَِنَّ فِي تَصْحِيحِ تَصَرُّفِهِ ضَيَاعًا لِمَالِهِ، وَضَرَرًا عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ، فَلاَ يَصِحُّ مِنْهُ (1) .
أَمَّا تَصَرُّفَاتُهُ بَعْدَ الإِْذْنِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ.
فَالْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ: يَرَوْنَ أَنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، وَأَنَّ تَصَرُّفَهُ حِينَئِذٍ صَحِيحٌ نَافِذٌ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (2) وَالاِبْتِلاَءُ يَكُونُ قَبْل الْبُلُوغِ، وَلأَِنَّ الصَّبِيَّ عَاقِلٌ مُمَيِّزٌ، فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، كَمَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ: إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِلصَّغِيرِ فِي التِّجَارَةِ، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَمْ يَصِحَّ إِذْنُهُ، فَلاَ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ الإِْذْنِ، كَمَا لَمْ يَصِحَّ قَبْل الإِْذْنِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِل أَوْ يُفِيقَ (3)
__________
(1) المجموع للنووي 9 / 161، 164، والمبدع 4 / 8، وكشاف القناع للبهوتي 3 / 442، 458.
(2) سورة النساء / 6.
(3) حديث: " رفع القلم عن ثلاثة. . . ". أخرجه ابن ماجه (1 / 658) والحاكم (2 / 59) من حديث عائشة، واللفظ لابن ماجه، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

الصفحة 10