كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 36)
بَيْتِ الْمَال (1) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَبْدَأُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِالصَّرْفِ عَلَى عِمَارَتِهِ وَإِصْلاَحِ مَا وَهَى مِنْ بِنَائِهِ، وَسَائِرِ مُؤْنَاتِهِ الَّتِي لاَ بُدَّ مِنْهَا سَوَاءٌ شَرَطَ الْوَاقِفُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْرِطْ؛ لأَِنَّ الْوَقْفَ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ فِي سَبِيل اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَجْرِي إِلاَّ بِهَذَا الطَّرِيقِ (2) ، قَال الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: فَكَانَتِ الْعِمَارَةُ مَشْرُوطَةً اقْتِضَاءً، وَلِهَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الأَْصْل فِي شَيْءٍ مِنْ رَسْمِ الصُّكُوكِ: فَاشْتَرَطَ أَنْ يَرْفَعَ الْوَالِي مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ كُل عَامٍ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لأَِدَاءِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَالْبَذْرِ وَأَرْزَاقِ الْوُلاَةِ عَلَيْهَا وَالْعُمْلَةِ وَأُجُورِ الْحُرَّاسِ وَالْحَصَادَيْنِ وَالدِّرَاسِ؛ لأَِنَّ حُصُول مَنْفَعَتِهَا فِي كُل وَقْتٍ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِدَفْعِ هَذِهِ الْمُؤَنِ مِنْ رَأْسِ الْغَلَّةِ (3) .
وَقَال الْكَاسَانِيُّ: لَوْ وَقَفَ دَارَهُ عَلَى سُكْنَى وَلَدِهِ فَالْعِمَارَةُ عَلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى؛ لأَِنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُ فَكَانَتِ الْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ (4) .
فَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الْعِمَارَةِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا بِأَنْ كَانَ فَقِيرًا آجَرَهَا الْقَاضِي وَعَمَّرَهَا بِالأُْجْرَةِ؛ لأَِنَّ
__________
(1) كشاف القناع 4 / 266
(2) بدائع الصنائع 6 / 221.
(3) فتح القدير 5 / 434.
(4) حديث: " الخراج بالضمان. . ". أخرجه أبو داود (3 / 780) من حديث عائشة وقال: هذا إسناد ليس بذاك.
اسْتِبْقَاءَ الْوَقْفِ وَاجِبٌ، وَلاَ يَبْقَى إِلاَّ بِالْعَمَارَةِ، فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ عَجَزَ عَنْهُ نَابَ الْقَاضِي مَنَابَهُ فِي اسْتِبْقَائِهِ بِالإِْجَارَةِ، كَالدَّابَّةِ إِذَا امْتَنَعَ صَاحِبُهَا عَنِ الإِْنْقَاقِ عَلَيْهَا أَنْفَقَ الْقَاضِي عَلَيْهَا بِالإِْجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَالْمُؤْنَةُ مِنَ الْغَلَّةِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَبْدَأُ بِإِصْلاَحِ الْوَقْفِ وَعِمَارَتِهِ مِنْ غَلَّتِهِ، وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ غَيْرَ ذَلِكَ بَطَل شَرْطُهُ، وَإِنِ احْتَاجَ الْعَقَارُ الْمَوْقُوفُ عَلَى مُعَيَّنٍ لِسُكْنَاهُ لإِِصْلاَحِهِ وَلَمْ يُصْلِحْهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ أَخْرَجَ السَّاكِنُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لِلسُّكْنَى لِيُكْرِيَ لِغَيْرِهِ مُدَّةً مُسْتَقْبَلَةً بِشَرْطِ تَعْجِيل كِرَائِهَا وَإِصْلاَحِهِ بِمَا يُكْرِي بِهِ.
وَالْفَرَسُ الْمَوْقُوفُ لِلْغَزْوِ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَال وَلاَ تَلْزَمُ نَفَقَتُهُ الْمُحْبِّسَ وَلاَ الْمُحْبَّسَ عَلَيْهِ، فَإِنْ عُدِمَ بَيْتُ الْمَال بِيعَ وَعُوِّضَ بِثَمَنِهِ سِلاَحٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا لاَ يَحْتَاجُ لِنَفَقَةٍ، وَقَال ابْنُ جَزِيٍّ: تُبْتَنَى الرِّبَاعُ الْمُحْبَّسَةُ مِنْ غَلاَّتِهَا، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَمِنْ بَيْتِ الْمَال (2) .
مُؤْنَةُ الْعَارِيَّةِ
12 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا تَحْتَاجُهُ الْعَارِيَّةُ مِنْ مُؤْنَةٍ وَهِيَ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ، هَل هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى
__________
(1) بدائع الصنائع 6 / 221، والهداية وفتح القدير 4 / 434 - 435.
(2) جواهر الإكليل 2 / 209، وأسهل المدارك 3 / 109.
الصفحة 22