كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 36)

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَّةَ: مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ (1) .
فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَدُلاَّنِ عَلَى تَفْضِيل مَكَّةَ عَلَى سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَمِنْهَا الْمَدِينَةُ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: صَلاَةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ (2) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا زِيَادَةُ: وَصَلاَةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَل مِنْ مِائَةِ صَلاَةٍ فِي مَسْجِدِي هَذَا (3) وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَفْضِيل الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمَكَّةَ عَلَى الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ.
وَاسْتَدَل مَالِكٌ بِأَدِلَّةٍ فِي فَضْل الْمَدِينَةِ مِنْهَا مَا سَبَقَ إِنَّ الإِْيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَنَّهَا الْقَرْيَةُ الَّتِي تَأْكُل الْقُرَى، فَإِنَّهُ يَدُل عَلَى زِيَادَةِ فَضْل الْمَدِينَةِ عَلَى غَيْرِهَا، وَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا لِمَكَّةَ أَوْ
__________
(1) حديث: " ما أطيبك من بلد وأحبك إليّ. . . ". أخرجه الترمذي (5 / 723) وقال: حديث حسن غريب.
(2) حديث: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 63) ، ومسلم (2 / 1012) .
(3) حديث: " صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي هذا ". أخرجه أحمد (4 / 5) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4 / 5) : رجاله رجال الصحيح.
أَشَدَّ (1) .
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَهَا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَفُضَلاَءِ الصَّحَابَةِ، وَلاَ يَخْتَارُ لَهُمْ إِلاَّ أَفْضَل الْبِقَاعِ (2) .
وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْخِلاَفَ لَيْسَ فِي الْكَعْبَةِ الْمُعَظَّمَةِ، فَإِنَّهَا أَفْضَل مِنَ الْمَدِينَةِ كُلِّهَا، إِلاَّ الْبُقْعَةَ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَ الْجَسَدِ الشَّرِيفِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَذَكَرَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ أَنَّ الْقَاضِيَ عِيَاضَ نَقَل الإِْجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَل الأَْرْضِ، وَالْخِلاَفُ فِيمَا سِوَاهُ (3) .

مَشَاهِدُ الْمَدِينَةِ
7 - مَشَاهِدُ الْمَدِينَةِ مَوَاضِعُ ذَاتُ فَضْلٍ، وَمَأْثُرَةٍ تَارِيخِيَّةٍ، اسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ زِيَارَتَهَا، وَهِيَ نَحْوُ ثَلاَثِينَ مَوْضِعًا يَعْرِفُهَا أَهْل الْمَدِينَةِ وَمِنْ أَهَمِّهَا مَا يَلِي:

أ - الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ
8 - وَهُوَ ثَانِي مَسْجِدٍ بُنِيَ فِي الإِْسْلاَمِ بَعْدَ مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَالصَّلاَةُ فِيهِ أَفْضَل مِنَ الصَّلاَةِ
__________
(1) حديث: " اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا لمكة أو أشد ". أخرجه البخاري (فتح الباري 7 / 262) ، ومسلم (2 / 1003) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) انظر الاستدلالات في المنتقى للباجي شرح الموطأ: 7 / 197، هداية السالك: 1 / 46 - 47.
(3) وفاء الوفا للسمهودي 1 / 28، وابن عابدين 2 / 257، ومغني المحتاج 1 / 482.

الصفحة 311