كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 36)
ب - أَنْ لاَ تُؤَدِّيَ مُرَاعَاةُ الْخِلاَفِ إِلَى خَرْقِ الإِْجْمَاعِ كَمَا نُقِل عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ كَانَ يَغْسِل أُذُنَيْهِ مَعَ الْوَجْهِ، وَيَمْسَحُهُمَا مَعَ الرَّأْسِ، وَيُفْرِدُهُمَا بِالْغَسْل مُرَاعَاةً لِمَنْ قَال: إِنَّهُمَا مِنَ الْوَجْهِ أَوِ الرَّأْسِ أَوْ عُضْوَانِ مُسْتَقِلاَّنِ، فَوَقَعَ فِي خِلاَفِ الإِْجْمَاعِ، إِذْ لَمْ يَقُل أَحَدٌ بِالْجَمْعِ.
ج - أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ مُمْكِنًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلاَ يَتْرُكُ الرَّاجِحَ عِنْدَ مُعْتَقَدِهِ لِمُرَاعَاةِ الْمَرْجُوحِ، لأَِنَّ ذَلِكَ عُدُولٌ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ اتِّبَاعِ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَهُوَ لاَ يَجُوزُ قَطْعًا، وَمِثَالُهُ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي اشْتِرَاطِ الْمِصْرِ الْجَامِعِ فِي انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ، لاَ يُمْكِنُ مُرَاعَاتُهُ عِنْدَ مَنْ يَقُول إِنَّ أَهْل الْقُرَى إِذَا بَلَغُوا الْعَدَدَ الَّذِي يَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ لَزِمَتْهُمْ وَلاَ يَجْزِيهِمُ الظُّهْرُ، فَلاَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ.
وَمِثْلُهَا أَيْضًا قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ: إِنَّ أَوَّل وَقْتِ الْعَصْرِ مَصِيرُ ظِل الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ، وَقَوْل الإِْصْطَخْرِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا: هَذَا آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ مُطْلَقًا وَيَصِيرُ بَعْدَهُ قَضَاءً وَإِنْ كَانَ هَذَا وَجْهًا ضَعِيفًا غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ الْخُرُوجُ مِنْ خِلاَفِهِمَا جَمِيعًا.
وَكَذَلِكَ الصُّبْحُ فَإِنَّ الإِْصْطَخْرِيَّ يَخْرُجُ عِنْدَهُ وَقْتُ الْجَوَازِ بِالإِْسْفَارِ، وَذَلِكَ الْوَقْتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الأَْفْضَل.
وَكَذَلِكَ يَضْعُفُ الْخُرُوجُ مِنَ الْخِلاَفِ إِذَا أَدَّى إِلَى الْمَنْعِ مِنَ الْعِبَادَةِ لِقَوْل الْمُخَالِفِ بِالْكَرَاهَةِ، أَوِ الْمَنْعِ مِنَ الْعِبَادَةِ لِقَوْل الْمُخَالِفِ بِالْكَرَاهَةِ أَوِ الْمَنْعِ.
كَالْمَشْهُورِ مِنْ قَوْل مَالِكٍ: إِنَّ الْعُمْرَةَ لاَ تَتَكَرَّرُ فِي السَّنَةِ، وَقَوْل أَبِي حَنِيفَةَ: إِنَّهَا تُكْرَهُ لِلْمُقِيمِ بِمَكَّةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَيْسَ التَّمَتُّعُ مَشْرُوعًا لَهُ، وَرُبَّمَا قَالُوا: إِنَّهَا تَحْرُمُ، فَلاَ يَنْبَغِي لِلشَّافِعِيِّ مُرَاعَاةُ ذَلِكَ، لِضَعْفِ مَأْخَذِ الْقَوْلَيْنِ وَلِمَا يَفُوتُهُ مِنْ كَثْرَةِ الاِعْتِمَارِ، وَهُوَ مِنَ الْقُرُبَاتِ الْفَاضِلَةِ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي الْخُرُوجُ مِنَ الْخِلاَفِ لاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيهِ زِيَادَةُ تَعَبُّدٍ كَالْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ فِي غُسْل الْجَنَابَةِ يَجِبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَكَذَلِكَ الاِسْتِنْشَاقُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْوُضُوءِ، وَالْغُسْل مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ ثَمَانِي مَرَّاتٍ وَالْغُسْل مِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ ثَلاَثًا لِخِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ وَسَبْعًا لِخِلاَفِ أَحْمَدَ وَالتَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِخِلاَفِ أَحْمَدَ فِي وُجُوبِهَا، وَالتَّبْيِيتُ فِي نِيَّةِ صَوْمِ النَّفْل، فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وُجُوبُهُ، وَإِتْيَانُ الْقَارِنِ بِطَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ مُرَاعَاةً لِخِلاَفِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُوَالاَةُ بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لأَِنَّ مَالِكًا يُوجِبُهَا، وَكَذَلِكَ التَّنَزُّهُ عَنْ بَيْعِ الْعِينَةِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْعُقُودِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا، وَأَصْل هَذَا الاِحْتِيَاطِ قَوْل الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ:
الصفحة 334