كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 36)
أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَثْبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَال: نَعَمْ وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ (1) .
وَقَال مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ: لاَ حَجَّ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَسْتَطِيعَ بِنَفْسِهِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (2) ، وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ، وَلأَِنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ لاَ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَلاَ تَدْخُلُهَا مَعَ الْعَجْزِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ.
وَإِذَا عُوفِيَ مِنْ مَرَضِهِ بَعْدَ مَا أَحَجَّ غَيْرَهُ عَنْ نَفْسِهِ، يَلْزَمُهُ حَجٌّ آخَرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّ هَذَا الْحَجَّ بَدَل إِيَاسٍ، فَإِذَا بَرَأَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْيُوسًا مِنْهُ، فَلَزِمَهُ الأَْصْل، قِيَاسًا عَلَى الآْيِسَةِ إِذَا اعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ، ثُمَّ حَاضَتْ لاَ يُجْزِئُهَا تِلْكَ الْعِدَّةُ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَبِهِ قَال إِسْحَاقُ لأَِنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ، فَخَرَجَ مِنَ الْعُهْدَةِ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْرَأْ، وَلأَِنَّهُ أَدَّى حَجَّةَ الإِْسْلاَمِ بِأَمْرِ الشَّارِعِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ حَجٌّ ثَانٍ كَمَا لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَالاً يَسْتَنِيبُ بِهِ فَلاَ حَجَّ عَلَيْهِ
__________
(1) حديث: " أن امرأة من خثعم قالت:. . . ". أخرجه البخاري " فتح الباري " (3 / 378) ، ومسلم (2 / 973) واللفظ للبخاري.
(2) سورة آل عمران / 97.
بِغَيْرِ خِلاَفٍ، لأَِنَّ الصَّحِيحَ لَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يَحُجُّ بِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فَالْمَرِيضُ أَوْلَى (1) .
17 - وَأَمَّا إِنْ كَانَ مَرِيضًا يُرْجَى زَوَال مَرَضِهِ:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: حَجُّ الْفَرْضِ يَقْبَل النِّيَابَةَ عِنْدَ الْعَجْزِ فَقَطْ لَكِنْ بِشَرْطِ دَوَامِ الْعَجْزِ إِلَى الْمَوْتِ لأَِنَّهُ فَرْضُ الْعُمْرِ حَتَّى تَلْزَمَ الإِْعَادَةُ بِزَوَال الْعُذْرِ الَّذِي يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْمَرَضِ.
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِحَجَّةِ الإِْسْلاَمِ وَالْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ، وَأَمَّا الْحَجُّ النَّفْل فَيَقْبَل النِّيَابَةَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَجْزٍ فَضْلاً عَنْ دَوَامِهِ (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَإِنِ اسْتَنَابَ فَحَجَّ النَّائِبُ فَشُفِيَ لَمْ يُجْزِئْهُ قَطْعًا وَإِنْ مَاتَ فَقَوْلاَنِ: أَظْهَرُهُمَا لاَ يُجْزِئُهُ.
وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَرْجُوِّ الزَّوَال فَأَحَجَّ عَنْهُ ثُمَّ شُفِيَ فَطَرِيقَانِ: أَصَحُّهُمَا طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّانِي: الْقَطْعُ بِعَدَمِ الإِْجْزَاءِ.
وَقَالُوا: إِنَّ حَجَّ التَّطَوُّعِ لاَ يَجُوزُ الاِسْتِنَابَةُ فِيهِ عَنِ الْقَادِرِ قَطْعًا (3) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ، فَإِنْ فَعَل لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ، لأَِنَّهُ
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2 / 142، 238، ومواهب الجليل 2 / 492، 498، 499، وروضة الطالبين 3 / 12، 13، والمغني 3 / 227، 228.
(2) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 2 / 238.
(3) روضة الطالبين 3 / 13.
الصفحة 364