كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 37)

مِنْ شَخْصٍ دُونَ آخَرَ، وَفِي قُطْرٍ دُونَ آخَرَ، وَفِي حَالٍ دُونَ آخَرَ، فَحَمْل الطَّعَامِ لِلْبَيْتِ وَالْمَاءِ شُحًّا يَخْرِمُ الْمُرُوءَةَ، بِخِلاَفِ حَمْلِهَا اقْتِدَاءً بِالسَّلَفِ، وَلُبْسُ فَقِيهٍ قَبَاءً أَوْ قَلَنْسُوَةً فِي بَلَدٍ لاَ يُعْتَادُ لِلْفَقِيهِ لُبْسُهَا يَخْرِمُ الْمُرُوءَةَ، وَالتَّقَشُّفُ فِي الْمَأْكَل وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ لِلْوَاجِدِ شُحًّا يَخْرِمُهَا، بِخِلاَفِ مَا إِذَا فَعَل ذَلِكَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَكَسْرًا لِلنَّفْسِ (1) .
5 - النَّوْعُ الثَّانِي: الصِّنَاعَاتُ الدَّنِيئَةُ:
لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الاِحْتِرَافَ بِصَنِعَةٍ يَحْرُمُ الاِحْتِرَافُ بِهَا شَرْعًا تُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ وَالْعَدَالَةَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ الْمُرُوءَةِ بِالاِحْتِرَافِ بِصَنِعَةِ دَنِيئَةٍ عُرْفًا مُبَاحَةٍ شَرْعًا.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الاِحْتِرَافَ بِصَنِعَةٍ دَنِيئَةٍ عُرْفًا تَنْخَرِمُ الْمُرُوءَةُ بِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً شَرْعًا، كَحِجَامَةِ وَكَنْسٍ لِزِبْلٍ وَنَحْوِهِ وَدَبْغٍ وَكَقَيِّمِ حَمَّامٍ وَحَارِسٍ وَقَصَّابٍ وَإِسْكَافٍ مِمَّنْ لاَ تَلِيقُ بِهِ، وَلَيْسَتْ مِهْنَةَ آبَائِهِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهَا قُوتُهُ وَقُوتُ عِيَالِهِ، لإِِشْعَارِ ذَلِكَ بِقِلَّةِ مُرُوءَتِهِ، أَمَا إِذَا كَانَ مِمَّنْ تَلِيقُ بِهِ أَوْ كَانَتْ حِرْفَةَ آبَائِهِ أَوْ تَوَقَّفَ عَلَيْهَا قُوتُهُ وَقُوتُ عِيَالِهِ فَلاَ
__________
(1) مغني المحتاج 4 / 431، وشرح المنهج 5 / 382، والمراجع السابقة.
تَسْقُطُ الْمُرُوءَةُ بِهَا فِي الأَْصَحِّ، لأَِنَّهُ لاَ يُعَيَّرُ بِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلأَِنَّهَا حِرْفَةٌ مُبَاحَةٌ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا النَّاسُ (1) .
وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ تَسْقُطُ مُرُوءَتُهُ بِهَا، لأَِنَّ فِي اخْتِيَارِهِ لَهَا مَعَ اتِّسَاعِ طُرُقِ الْكَسْبِ إِشْعَارًا لِسُقُوطِ الْهِمَّةِ وَقِلَّةِ الْمُرُوءَةِ (2) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ: تُقْبَل شَهَادَةُ أَصْحَابِ الصَّنَائِعِ الدَّنِيئَةِ إِذَا كَانَ غَالِبُ أَحْوَالِهِمُ الصَّلاَحَ.
قَال السِّمْنَانِيُّ: مَنِ اسْتَقَامَ مِنْهُمْ فِي الطَّرِيقَةِ وَعُرِفَ بِصَدْقِ اللَّهْجَةِ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ لَيْسَتِ الصَّنَاعَةُ بِضَائِرَةٍ لَهُ، وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَمَا عَرَفْنَا بِشَهَادَتِهِمْ قِيَمَ الدَّوَابِّ وَعُيُوبَ الْحَيَوَانِ، وَلاَ بُدَّ فِي كُل صَنْعَةٍ مِنْ مَسْتُورٍ وَصَالِحٍ مُسْتَقِيمٍ، وَعَلَى هَذِهِ الأَْحْوَال وَجَدَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (3) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّهُ لاَ تَسْقُطُ الْمُرُوءَةُ بِحِرْفَةٍ مُبَاحَةٍ، فَتُقْبَل شَهَادَةُ مَنْ صِنَاعَتُهُ دَنِيئَةٌ عُرْفًا، كَالْحَجَّامِ وَالْكَنَّاسِ وَالْحَائِكِ وَالْحَارِسِ (4) .
أَمَا مَا اتَّخَذَهُ أَرْبَابُ الدُّنْيَا مِنَ الْعَادَاتِ الَّتِي
__________
(1) الخرشي 7 / 178، ومغني المحتاج 4 / 432، والجمل على شرح المنهج 5 / 383.
(2) مغني المحتاج 4 / 432، وفتح القدير 6 / 486، وروضة القضاة 1 / 240.
(3) فتح القدير 6 / 486، وروضة القضاة 1 / 240.
(4) كشاف القناع 6 / 424.

الصفحة 35