كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 37)

خِلاَفِ الأَْصْل (1) .
وَقَدْ جَاءَ فِي مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ: تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الصِّحَّةِ عَلَى بَيِّنَةِ الْمَرَضِ، مَثَلاً إِذَا وَهَبَ أَحَدٌ مَالاً لأَِحَدِ وَرَثَتِهِ ثُمَّ مَاتَ، وَادَّعَى بَاقِي الْوَرَثَةِ أَنَّهُ وَهَبَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنَّهُ وَهَبَهُ فِي حَال صِحَّتِهِ، تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْمَوْهُوبِ لَهُ (2) .
وَالثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ وُقُوعِهَا فِي مَرَضِهِ عَلَى بَيِّنَةِ وُقُوعِهَا فِي صِحَّتِهِ (3) .
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ مَا إِذَا اقْتَرَنَتْ دَعْوَى أَحَدِهِمَا بِالْبَيِّنَةِ دُونَ الآْخَرِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَقْدِيمِ قَوْل الْمُدَّعِي صَاحِبِ الْبَيِّنَةِ عَلَى قَوْل الآْخَرِ الَّذِي خَلَتْ دَعْوَاهُ عَنِ الْبَيِّنَةِ، سَوَاءٌ أَقَامَ صَاحِبُ الْبَيِّنَةِ بَيِّنَتَهُ عَلَى صُدُورِ التَّصَرُّفِ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ.

الْهِبَةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

جَعَل جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لِهِبَةِ الْمَرِيضِ أَحْكَامًا
تَخْتَلِفُ عَنْ أَحْكَامِ هِبَةِ الصَّحِيحِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ
__________
(1) الفتاوى البزازية 5 / 453 (بهامش الفتاوى الهندية) ، وواقعات المفتين ص208، والعقود الدرية لابن عابدين 2 / 80، وحاشية الرملي على جامع الفصولين ص / 183.
(2) مجلة الأحكام العدلية مادة / 1766.
(3) نهاية المحتاج 6 / 55، وإعانة الطالبين 3 / 213، والبجيرمي على المنهج 3 / 274.
مَا إِذَا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْل مَوْتِ الْمَرِيضِ الْوَاهِبِ، وَبَيْنَ مَا إِذَا لَمْ يَقْبِضْهَا قَبْلَهُ.

أَوَّلاً - هِبَةُ الْمَرِيضِ غَيْرِ الْمَدِينِ الْمَقْبُوضَةُ
5 - إِذَا وَهَبَ الْمَرِيضُ غَيْرُ الْمَدِينِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لَهُ:
أ - فَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَجْنَبِيًّا عَنِ الْمَرِيضِ، وَقَبَضَ الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ، وَالْمَرِيضُ الْوَاهِبُ غَيْرَ مَدِينٍ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ وَارِثٌ وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ صَحِيحَةٌ نَافِذَةٌ، وَلَوِ اسْتَغْرَقَتْ كُل مَالِهِ، وَلاَ تَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ أَحَدٍ (1) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: تَبْطُل الْهِبَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِ مَال الْمَرِيضِ، لأَِنَّ مَالَهُ مِيرَاثٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلاَ مُجِيزَ لَهُ مِنْهُمْ، فَبَطَلَتْ (2) .
أَمَّا إِذَا كَانَ لِلْمَرِيضِ وَرَثَةٌ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى نَفَاذِ هِبَةِ الْمَرِيضِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إِنْ حَمَلَهَا ثُلُثُ مَالِهِ، أَمَّا إِذَا زَادَتْ
__________
(1) المبسوط 12 / 103 وانظر م (877) من مجلة الأحكام العدلية.
(2) الأم 4 / 30 ط. بولاق، والمهذب 1 / 457، والمنتقى للباجي 6 / 156، والأبي على مسلم 4 / 339.

الصفحة 9