كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 38)

وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلأَْعْرَابِيِّ: تَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ. (1) قَال النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحْسَنِ الأَْدِلَّةِ، لأَِنَّ هَذَا الأَْعْرَابِيَّ صَلَّى ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يُحْسِنْهَا، فَعَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ الصَّلاَةَ الَّتِي تُفْعَل بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَتُشَاهَدُ أَعْمَالُهَا، فَعَلَّمَهُ وَاجِبَاتِهَا وَوَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ، فَقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَوَضَّأَ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ سُنَنَ الصَّلاَةِ وَالْوُضُوءِ لِئَلاَّ يُكْثِرَ عَلَيْهِ فَلاَ يَضْبِطْهَا، فَلَوْ كَانَتِ الْمَضْمَضَةُ وَاجِبَةً لَعَلَّمَهُ إِِيَّاهَا، فَإِِِنَّهُ مِمَّا يَخْفَى، لاَ سِيمَا فِي حَقِّ هَذَا الرَّجُل الَّذِي خَفِيَتْ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ الَّتِي تُشَاهَدُ، فَكَيْفَ الْوُضُوءُ الَّذِي يَخْفَى (2) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَاجِبَةٌ فِي الْغُسْل، وَسُنَّةٌ فِي الْوُضُوءِ، وَبَهْ قَال سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، لأَِنَّ الْوَاجِبَ فِي بَابِ الْوُضُوءِ غَسْل الأَْعْضَاءِ الثَّلاَثَةِ وَمَسْحُ الرَّأْسِ، وَدَاخِل الْفَمِ لَيْسَ مِنْ جُمْلَتِهَا، أَمَّا مَا سِوَى الْوَجْهِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا الْوَجْهُ، لأَِنَّهُ اسْمٌ لِمَا يُوَاجِهُ بِهِ الإِِِْنْسَانُ عَادَةً، وَالْفَمُ لاَ يُوَاجِهُ بِهِ بِكُل حَالٍ فَلاَ يَجِبُ غَسْلُهُ.
وَأَمَّا وُجُوبُ الْمَضْمَضَةِ فِي الْغُسْل فَلأَِنَّ
__________
(1) حديث: " توضأ كما أمرك الله ". أخرجه الترمذي (2 / 102) من حديث رفاعة بن رافع، وقال: حديث حسن
(2) حاشية الدسوقي 1 / 97، وجواهر الإكليل 1 / 23، والمجموع 1 / 362 - 365، والمغني لابن قدامة 1 / 118
الْوَاجِبَ هُنَاكَ تَطْهِيرُ الْبَدَنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِِِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (1) أَيْ طَهِّرُوا أَبْدَانَكُمْ فَيَجِبُ غَسْل مَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ مِنْ غَيْرِ حَرْجٍ، ظَاهِرًا كَانَ أَوْ بَاطِنًا، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ وُجُوبَ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِِنَّ تَحْتَ كُل شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ، فَاغْسِلُوا الشَّعَرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ، (2) وَقَالُوا: فِي الأَْنْفِ شَعَرٌ وَفِي الْفَمِ بَشَرَةٌ (3) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَشْهُورِ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَإِِِسْحَاقُ وَعَطَاءٌ: إِِنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالاِسْتِنْشَاقَ وَاجِبَةٌ فِي الطَّهَارَتَيْنِ أَيِ الْغُسْل وَالْوُضُوءُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: الْمَضْمَضَةُ وَالاِسْتِنْشَاقُ مِنَ الْوُضُوءِ الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ، (4) وَلأَِنَّ كُل مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْصِيًا ذَكَرَ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا تَدُل عَلَى وُجُوبِهِمَا، لأَِنَّ فِعْلَهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا وَتَفْصِيلاً لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي
__________
(1) سورة المائدة / 6
(2) حديث: " تحت كل شعر جنابة. . . " أخرجه أبو داود (1 / 172) من حديث أبي هريرة، ثم ذكر أن في إسناده راويًا ضعيفًا
(3) بدائع الصنائع 1 / 21 ط دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان، ومراقي الفلاح ص 32، والمغني لابن قدامة 1 / 120 ط. الرياض.
(4) حديث: " المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه " أخرجه الدارقطني (1 / 84) من حديث عائشة، وصوب الدارقطني إرساله

الصفحة 104