كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 38)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِل الْمَاءَ إِِلَى جَارِكَ، فَغَضِبَ الأَْنْصَارِيُّ فَقَال: إِِنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكِ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَال: اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِِلَى الْجَدْرِ، فَقَال الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ، إِِنِّي لأََحْسِبُ هَذِهِ الآْيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} .
(1) وَلأَِنَّ رَفْعَ الْمَظَالِمِ يُعْتَبَرُ مِنَ الأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الْخُلَفَاءِ وَالْوُلاَةِ وَالْقُضَاةِ وَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ (2) .
حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ قَضَاءِ الْمَظَالِمِ:
7 - إِِنَّ الْحِكْمَةَ مِنْ قَضَاءِ الْمَظَالِمِ هِيَ إِِقَامَةُ الْعَدْل، وَمَنْعُ الظُّلْمِ، لأَِنَّ الإِِِْسْلاَمَ حَارَبَ الظُّلْمَ وَجَعَلَهُ مِنْ أَشَدِّ الرَّذَائِل، وَأَمَرَ بِالْعَدْل وَجَعَلَهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمَقَاصِدِ.
وَكَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّل مَنْ نَظَرَ فِي الْمَظَالِمِ، وَفَصَل فِي الْمُنَازَعَاتِ الَّتِي تَقَعُ مِنَ الْوُلاَةِ وَذَوِي النُّفُوذِ وَالأَْقَارِبِ، وَسَارَ عَلَى
__________
(1) حديث عبد الله بن الزبير: " أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير. . . . . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 34) ومسلم (4 / 1829 - 1830) .
(2) أحكام القرآن للجصاص 2 / 35 - 40، والأحكام السلطانية للماوردي ص 77، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 73
سُنَّتِهِ الشَّرِيفَةِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ (1) .
وَكَانَ قَضَاءُ الْمَظَالِمِ دَاخِلاً - بِحَسَبِ أَصْلِهِ - فِي الْقَضَاءِ الْعَادِيِّ، وَكَانَ يَتَوَلَّى الْفَصْل فِي الْمَظَالِمِ الْقُضَاةُ وَالْخُلَفَاءُ وَالأُْمَرَاءُ، ثُمَّ صَارَ قَضَاءً مُسْتَقِلًّا، وَلَهُ وِلاَيَةٌ خَاصَّةٌ.
قَال أَبُو بَكْرٍ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَأَمَّا وِلاَيَةُ الْمَظَالِمِ فَهِيَ وِلاَيَةٌ غَرِيبَةٌ، أَحْدَثَهَا مَنْ تَأَخَّرَ مِنَ الْوُلاَةِ لِفَسَادِ الْوِلاَيَةِ، وَفَسَادِ النَّاسِ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ كُل حُكْمٍ يَعْجِزُ عَنْهُ الْقَاضِي، فَيَنْظُرُ فِيهِ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ يَدًا، وَذَلِكَ أَنَّ التَّنَازُعَ إِِذَا كَانَ بَيْنَ ضَعِيفَيْنِ قَوَّى أَحَدَهُمَا الْقَاضِي، وَإِِِذَا كَانَ بَيْنَ قَوِيٍّ وَضَعِيفٍ، أَوْ قَوِيَّيْنِ، وَالْقُوَّةُ فِي أَحَدِهِمَا بِالْوِلاَيَةِ، كَظُلْمِ الأُْمَرَاءِ وَالْعُمَّال، فَهَذَا مِمَّا نَصَبَ لَهُ الْخُلَفَاءُ أَنْفُسَهُمْ (2) .
وَبَيَّنَ الْمَاوَرْدِيُّ الْحِكْمَةَ مِنْ ظُهُورِ قَضَاءِ الْمَظَالِمِ، فَقَال: وَلَمْ يُنْتَدَبْ لِلْمَظَالِمِ مِنَ الْخُلَفَاءِ الأَْرْبَعَةِ (الرَّاشِدِينَ) أَحَدٌ، لأَِنَّهُمْ كَانُوا فِي الصَّدْرِ الأَْوَّل، مَعَ ظُهُورِ الدِّينِ عَلَيْهِمْ، بَيْنَ مَنْ يَقُودُهُ التَّنَاصُفُ إِِلَى الْحَقِّ، أَوْ يَزْجُرُهُ الْوَعْظُ عَنِ الظُّلْمِ، وَإِِِنَّمَا كَانَتِ الْمُنَازَعَاتُ تَجْرِي بَيْنَهُمْ فِي أُمُورٍ مُشْتَبِهَةٍ،
__________
(1) مغني المحتاج 4 / 372، والحسبة لابن تميمة ص 82.
(2) أحكام القرآن لابن العربي 4 / 1631 ط. عيسى الحلبي
الصفحة 129