كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 38)
الْكَنِيسَةُ (الَّتِي أُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا) فَلِلذِّمِّيِّينَ إِِعَادَتُهَا، لأَِنَّ الأَْبْنِيَةَ لاَ تَبْقَى دَائِمًا، وَلَمَّا أَقَرَّهُمُ الإِِِْمَامُ عَلَى إِِبْقَائِهَا قَبْل الظُّهُورِ عَلَيْهِمْ وَصَالَحَهُمْ عَلَيْهِ فَقَدْ عَهِدَ إِِلَيْهِمُ الإِِِْعَادَةَ، وَلأَِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِإِِِحْدَاثِ، وَالْمُرَادُ بِالإِِِْعَادَةِ أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى الْبِنَاءِ الأَْوَّل كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ أَيْ: لاَ يَبْنُونَ مَا كَانَ بِاللَّبِنِ بِالآْجُرِّ، وَلاَ مَا كَانَ بِالآْجُرِّ بِالْحَجَرِ وَلاَ مَا كَانَ بِالْجَرِيدِ وَخَشَبِ النَّخْل بِالنَّقَى وَالسَّاجِ، وَلاَ بَيَاضًا لَمْ يَكُنْ.
قَالُوا: وَلِلإِِِْمَامِ أَنْ يُخَرِّبَهَا إِِذَا وَقَفَ عَلَى بِيعَةٍ جَدِيدَةٍ، أَوْ بُنِيَ مِنْهَا فَوْقَ مَا كَانَ فِي الْقَدِيمِ، وَكَذَا مَا زَادَ فِي عِمَارَتِهَا الْعَتِيقَةِ.
وَإِِِذَا جَازَ لَهُمْ إِِعَادَةُ بِنَائِهَا فَإِِِنَّ لَهُمْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَوْسِيعٍ عَلَى خُطَّتِهَا، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، لأَِنَّ الزِّيَادَةَ فِي حُكْمِ كَنِيسَةٍ مُحْدَثَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالأُْولَى، وَقِيل: الْمُرَادُ بِالإِِِْعَادَةِ الإِِِْعَادَةُ لِمَا تَهَدَّمَ مِنْهَا لاَ بِآلاَتِ جَدِيدَةٍ (1) ، وَالْمُرَادُ بِالْمُهْدَمِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الأَْشْبَاهِ: مَا انْهَدَمَ، وَلَيْسَ مَا هَدَمَهُ الإِِِْمَامُ، لأَِنَّ فِي إِِعَادَتِهَا بَعْدَ هَدْمِ الْمُسْلِمِينَ اسْتِخْفَافًا بِهِمْ وَبِالإِِِْسْلاَمِ، وَإِِِخْمَادًا لَهُمْ وَكَسْرًا لِشَوْكَتِهِمْ، وَنَصْرًا لِلْكُفْرِ وَأَهْلِهِ،
__________
(1) حاشية ابن عابدين 3 / 272، 273، ومغني المحتاج 4 / 254، 255، وروضة الطالبين 10 / 324.
وَلأَِنَّ فِيهِ افْتِيَاتًا عَلَى الإِِِْمَامِ فَيَلْزَمُ فَاعِلَهُ التَّعْزِيرُ، وَبِخِلاَفِ مَا إِِذَا هَدَمُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ فَإِِِنَّهَا تُعَادُ (1) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، وَالإِِْصْطَخْرِيُّ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَعَلَّلَهُ الْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: لأَِنَّهُ كَبِنَاءِ كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الإِِِْسْلاَمِ (2) .
تَرْمِيمُ الْمَعَابِدِ
17 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِِلَى أَنَّهُ لاَ يُمْنَعُ أَهْل الذِّمَّةِ مِنْ رَمِّ مَا تَشَعَّثَ مِنَ الْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَنَحْوِهَا الَّتِي أُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَإِِِصْلاَحِهَا، لأَِنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ يُفْضِي إِِلَى خَرَابِهَا وَذَهَابِهَا، فَجَرَى مَجْرَى هَدْمِهَا (3) .
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ: بِأَنَّهُ يَجِبُ إِِخْفَاءُ الْعِمَارَةِ لأَِنَّ إِِظْهَارَهَا زِينَةٌ تُشْبِهُ الاِسْتِحْدَاثَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الأَْصَحُّ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ إِِخْفَاءُ الْعِمَارَةِ فَيَجُوزُ تَطْيِينُهَا مِنَ الدَّاخِل وَالْخَارِجِ (4) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين 3 / 272.
(2) المغني 8 / 528، وروضة الطالبين 10 / 324.
(3) حاشية ابن عابدين 3 / 272، ومغني المحتاج 4 / 254، وروضة الطالبين 10 / 324، والمغني 8 / 528، وحاشية الدسوقي 2 / 204.
(4) روضة الطالبين 10 / 324.
الصفحة 153