كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 38)
الْمُعَارَضَةِ: فَقِيل: لاَ يُقْبَل بِنَاءً عَلَى مَنْعِ التَّعْلِيل بِعِلَّتَيْنِ، قَال ابْنُ عَقِيلٍ: وَلأَِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ سُؤَالاً وَلاَ جَوَابًا، لأَِنَّ لِلْمُسْتَدِل: أَنْ يَقُول: لاَ تَنَافِي بَيْنَ الْعِلَّتَيْنِ بَل أَقُول بِهِمَا جَمِيعًا، وَقِيل: يُقْبَل، وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَغَيْرُهُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيل بِعِلَّتَيْنِ.
أَوْ أَنْ يَذْكُرَ الْمُسْتَدِل عِلَّةً لِلْحُكْمِ فِي الأَْصْل، وَيَذْكُرَ الْمُعْتَرِضُ عِلَّةً أُخْرَى فِيهِ غَيْرَ مَوْجُودَةٍ فِي الْفَرْعِ. كَأَنْ يَقُول الْمُسْتَدِل: يَصِحُّ صَوْمُ الْفَرْضِ بِنِيَّةٍ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ قَبْل الزَّوَال لأَِنَّهُ صَوْمُ عَيْنٍ فَتَأَدَّى بِنِيَّةٍ قَبْل الزَّوَال كَصَوْمِ النَّفْل، فَيَذْكُرُ الْمُعْتَرِضُ عِلَّةً أُخْرَى غَيْرَ الْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلَهَا الْمُسْتَدِل فِي حُكْمِ الأَْصْل، وَهِيَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْفَرْعِ كَأَنْ يَقُول: إِِنَّ عِلَّةَ حُكْمِ الأَْصْل - وَهِيَ صِحَّةُ صَوْمِ النَّفْل بِنِيَّةِ قَبْل الزَّوَال - لَيْسَتْ بِمَا ذَكَرْتَ مِنْ أَنَّهُ صَوْمُ عَيْنٍ، بَل الْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ النَّفْل مِنْ عَمَل السُّهُولَةِ وَالْخَفَّةِ، فَجَازَ أَدَاؤُهُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنِ الشُّرُوعِ فِيهِ، بِخِلاَفِ الْفَرْضِ (1) .
6 - أَمَّا كَوْنُ الْمُعَارَضَةِ فِي الْفَرْعِ: فَهِيَ أَنْ يُعَارِضَ الْمُعْتَرِضُ حُكْمَ الْفَرْعِ بِمَا يَقْتَضِي نَقِيضَهُ، أَوْ ضِدَّهُ بِنَصٍّ أَوْ إِِجْمَاعٍ، أَوْ بِوُجُودِ
__________
(1) البحر المحيط 5 / 334.
مَانِعٍ، أَوْ بِفَوَاتِ شَرْطٍ وَيَقُول فِي اعْتِرَاضِهِ: إِِنَّ مَا ذَكَرْتَ فِي الْوَصْفِ وَإِِِنِ اقْتَضَى ثُبُوتَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ فَعِنْدِي وَصْفٌ آخَرُ يَقْتَضِي نَقِيضَهُ فَتُوقِفُ دَلِيلَكَ.
وَمِثَال النَّقِيضِ أَنْ يَقُول الْمُسْتَدِل: إِِذَا بَاعَ جَارِيَةً إِِلاَّ حَمْلَهَا صَحَّ فِي وَجْهٍ، كَمَا لَوْ بَاعَ هَذِهِ الصِّيعَانَ إِِلاَّ صَاعًا، فَيَقُول الْمُعْتَرِضُ لاَ يَصِحُّ، كَمَا لَوْ بَاعَ الْجَارِيَةَ إِِلاَّ يَدَهَا.
وَمِثَال الضِّدِّ أَنْ يَقُول الْمُسْتَدِل: الْوِتْرُ وَاجِبٌ قِيَاسًا عَلَى التَّشَهُّدِ فِي الصَّلاَةِ، بِجَامِعِ مُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُول الْمُعْتَرِضُ: فَيُسْتَحَبُّ قِيَاسًا عَلَى الْفَجْرِ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفْعَل فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ لِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ مِنْ فُرُوضِ الصَّلاَةِ.
فَإِِِنَّ الْوِتْرَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَالْفَجْرَ فِي وَقْتِ الصُّبْحِ، وَلَمْ يُعْهَدْ مِنَ الشَّرْعِ وَضْعُ صَلاَتَيْ فَرْضٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
وَقَال ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: أَمَّا الْمُعَارَضَةُ فِي حُكْمِ الْفَرْعِ فَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ إِِذَا ذَكَرَ الْمُعَلِّل عِلَّةً فِي إِِثْبَاتِ حُكْمِ الْفَرْعِ وَنَفْيِ حُكْمِهِ فَيُعَارِضُهُ خَصْمُهُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى تُوجِبُ مَا تُوجِبُهُ عِلَّةُ الْمُعَلِّل، فَتَتَعَارَضُ الْعِلَّتَانِ فَتَمْتَنِعَانِ مِنَ الْعَمَل إِِلاَّ بِتَرْجِيحِ إِِحْدَاهُمَا عَلَى الأُْخْرَى (1) .
__________
(1) البحر المحيط 5 / 339.
الصفحة 166