كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 38)
وَالشَّرِكَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: الْخِلْطَةُ وَثُبُوتُ الْحِصَّةِ (1) ، أَوْ: ثُبُوتُ الْحَقِّ فِي شَيْءٍ لاِثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى جِهَةِ الشُّيُوعِ (2) .
وَالصِّلَةُ أَنَّ الشَّرِكَةَ أَعَمُّ مِنَ الْمُضَارَبَةِ.
مَشْرُوعِيَّةُ الْمُضَارَبَةِ
5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُضَارَبَةِ وَجِوَازِهَا، وَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الرُّخْصَةِ أَوِ الاِسْتِحْسَانِ (3) ، فَالْقِيَاسُ أَنَّهَا لاَ تَجُوزُ، لأَِنَّهَا اسْتِئْجَارٌ بِأَجْرٍ مَجْهُولٍ، بَل بِأَجْرٍ مَعْدُومٍ وَلِعَمَلٍ مَجْهُولٍ، وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ تَرَكُوا الْقِيَاسَ وَأَجَازُوا الْمُضَارَبَةَ تَرَخُّصًا أَوِ اسْتِحْسَانًا لأَِدِلَّةٍ قَامَتْ عِنْدَهُمْ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُضَارَبَةِ، مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْكَاسَانِيُّ حَيْثُ قَال: تَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ وَالإِِِْجْمَاعِ.
أَمَّا الْكِتَابُ الْكَرِيمُ فَقَوْلُهُ عَزَّ شَأْنُهُ: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَْرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْل اللَّهِ} (4) . وَالْمُضَارِبُ يَضْرِبُ فِي الأَْرْضِ يَبْتَغِي مِنْ فَضْل اللَّهِ عَزَّ وَجَل.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
__________
(1) الاختيار 3 / 11.
(2) مغني المحتاج 2 / 211.
(3) بدائع الصنائع 6 / 79، ومواهب الجليل 5 / 356، ونهاية المحتاج 5 / 218، وكشاف القناع 3 / 507.
(4) سورة المزمل / 20.
أَنَّهُ قَال: كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِِذَا دَفَعَ مَالاً مُضَارَبَةً اشْتَرَطَ عَلَى صَاحِبِهِ أَنْ لاَ يَسْلُكَ بِهِ بَحْرًا، وَلاَ يَنْزِل بِهِ وَادِيًا، وَلاَ يَشْتَرِيَ بِهِ ذَاتَ كَبِدٍ رَطْبَةٍ، فَإِِِنْ فَعَل فَهُوَ ضَامِنٌ، فَرُفِعَ شَرْطُهُ إِِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَازَهُ (1) وَكَذَا بُعِثَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يَتَعَاقَدُونَ الْمُضَارَبَةَ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ تَقْرِيرٌ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَالتَّقْرِيرُ أَحَدُ وُجُوهِ السُّنَّةِ.
وَأَمَّا الإِِِْجْمَاعُ: فَإِِِنَّهُ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ دَفَعُوا مَال الْيَتِيمِ مُضَارَبَةً، مِنْهُمْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْرَانِهِمْ أَحَدٌ، وَمِثْلُهُ يَكُونُ إِِجْمَاعًا، وَعَلَى هَذَا تَعَامَل النَّاسُ مِنْ لَدُنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ إِِنْكَارٍ مِنْ أَحَدٍ، وَإِِِجْمَاعُ أَهْل كُل عَصْرٍ حُجَّةٌ، فَتُرِكَ بِهِ الْقِيَاسُ (2) .
وَقَالُوا فِي حِكْمَتِهَا: شُرِعَتْ لأَِنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ إِِلَيْهَا، لِحَاجَةِ النَّاسِ إِِلَى التَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَتَنْمِيَتِهَا بِالتِّجَارَةِ فِيهَا، وَلَيْسَ كُل أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، فَاضْطُرَّ فِيهَا إِِلَى
__________
(1) حديث ابن عباس: " أن العباس بن عبد المطلب إذا دفع مالاً مضاربة اشترط على صاحبه. . . ". أخرجه البيهقي (6 / 111) وضعف إسناده.
(2) بدائع الصنائع 6 / 79.
الصفحة 37