كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 38)
فَعَلَى الْمُشْتَرِي بِهِ ضَمَانُهُ، فَكَانَ الرِّبْحُ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ، فَيَكُونُ رِبْحُ الْمَضْمُونِ، وَلأَِنَّ الْمُضَارَبَةَ بِالْعُرُوضِ تُؤَدِّي إِِلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ وَقْتَ الْقِسْمَةِ، لأَِنَّ قِيمَةَ الْعُرُوضِ تُعْرَفُ بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ، وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْمُقَوِّمِينَ، وَالْجَهَالَةُ تُفْضِي إِِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَالْمُنَازَعَةُ تُفْضِي إِِلَى الْفَسَادِ، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ فِي تَعْلِيل عَدَمِ جَوَازِ الْمُضَارَبَةِ بِالْعُرُوضِ: إِِنَّ الْمُضَارَبَةَ رُخْصَةٌ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا وَرَدَ، وَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الأَْصْل مِنَ الْمَنْعِ، وَلاَ يَجُوزُ اعْتِبَارُ قِيمَةِ الْعَرْضِ رَأْسَ مَالٍ (2) .
وَعَلَّل الشَّافِعِيَّةُ عَدَمَ جَوَازِ الْمُضَارَبَةِ عَلَى عُرُوضٍ، بِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ عَقْدُ غَرَرٍ، إِِذِ الْعَمَل فِيهَا غَيْرُ مَضْبُوطٍ وَالرِّبْحُ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ، وَإِِِنَّمَا جُوِّزَتْ لِلْحَاجَةِ، فَاخْتَصَّتْ بِمَا يَرُوجُ غَالِبًا وَتَسْهُل التِّجَارَةُ بِهِ وَهُوَ الأَْثْمَانُ (3) ، وَلأَِنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمُضَارَبَةِ رَدُّ رَأْسِ الْمَال وَالاِشْتِرَاكُ فِي الرِّبْحِ، وَمَتَى عُقِدَ عَلَى غَيْرِ الأَْثْمَانِ لَمْ يَحْصُل الْمَقْصُودُ، لأَِنَّهُ رُبَّمَا زَادَتْ قِيمَتُهُ،
__________
(1) بدائع الصنائع 6 / 82.
(2) الشرح الصغير وحاشية الصاوي 3 / 683، 686، وشرح الزرقاني وحاشية البناني 6 / 213.
(3) مغني المحتاج 2 / 310.
فَيَحْتَاجُ أَنْ يَصْرِفَ الْعَامِل جَمِيعَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي رَدِّ مِثْلِهِ إِِنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ، وَفِي رَدِّ قِيمَتِهِ إِِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ، وَفِي هَذَا إِِضْرَارٌ بِالْعَامِل، وَرُبَّمَا نَقَصَتْ قِيمَتُهُ فَيَصْرِفُ جُزْءًا يَسِيرًا مِنَ الْكَسْبِ فِي رَدِّ مِثْلِهِ أَوْ رَدِّ قِيمَتِهِ ثُمَّ يُشَارِكُ رَبَّ الْمَال فِي الْبَاقِي، وَفِي هَذَا إِِضْرَارٌ بِرَبِّ الْمَال، لأَِنَّ الْعَامِل يُشَارِكُهُ فِي أَكْثَرِ رَأْسِ الْمَال، وَهَذَا لاَ يُوجَدُ فِي الأَْثْمَانِ لأَِنَّهَا لاَ تُقَوَّمُ بِغَيْرِهَا (1) .
وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْعُرُوضَ لاَ تَجُوزُ الشَّرِكَةُ فِيهَا، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَحَرْبٍ وَحَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، لأَِنَّ الشَّرِكَةَ: إِِمَّا أَنْ تَقَعَ عَلَى أَعْيَانِ الْعُرُوضِ أَوْ قِيمَتِهَا أَوْ أَثْمَانِهَا، لاَ يَجُوزُ وُقُوعُهَا عَلَى أَعْيَانِهَا، لأَِنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الرُّجُوعَ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ بِرَأْسِ الْمَال أَوْ بِمِثْلِهِ، وَهَذِهِ لاَ مِثْل لَهَا فَيُرْجَعُ إِِلَيْهِ، وَقَدْ تَزِيدُ قِيمَةُ جَنْسِ أَحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ فَيَسْتَوْعِبُ بِذَلِكَ جَمِيعَ الرِّبْحِ أَوْ جَمِيعَ الْمَال، وَقَدْ تَنْقُصَ قِيمَتُهُ فَيُؤَدِّي إِِلَى أَنْ يُشَارِكَهُ الآْخَرُ فِي ثَمَنِ مِلْكِهِ الَّذِي لَيْسَ بِرِبْحٍ، وَلاَ يَجُوزُ وُقُوعُهَا عَلَى قِيمَتِهَا لأَِنَّ الْقِيمَةَ غَيْرُ مُتَحَقِّقَةِ الْقَدْرِ، فَيُفْضِي إِِلَى التَّنَازُعِ، وَقَدْ يُقَوَّمُ الشَّيْءُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ،
__________
(1) المهذب 1 / 385.
الصفحة 44