كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 38)
الْمُضَارَبَةِ الذَّهَابَ إِِلَيْهِ لِيَبِيعَ وَيَعْلَمُ الْمَالِكُ بِذَلِكَ، وَإِِِلاَّ جَازَ، لأَِنَّ هَذَا بِحَسَبِ عُرْفِهِمْ يُعَدُّ مِنْ أَسْوَاقِ الْبَلَدِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ ضَارَبَهُ بِمَحِل لاَ يَصْلُحُ لِلإِِِْقَامَةِ - كَالْمَفَازَةِ - فَالظَّاهِرُ كَمَا قَال الأَْذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بِالْمَال إِِلَى مَقْصِدِهِ الْمَعْلُومِ لَهُمَا، ثُمَّ لَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُحْدِثَ سَفَرًا إِِلَى غَيْرِ مَحِل إِِقَامَتِهِ، فَإِِِنْ أَذِنَ لَهُ جَازَ بِحَسَبِ الإِِِْذْنِ، وَإِِِنْ أَطْلَقَ الإِِِْذْنَ سَافَرَ لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنَ الْبِلاَدِ الْمَأْمُونَةِ، فَإِِِنْ سَافَرَ بِغَيْرِ إِِذْنٍ أَوْ خَالَفَ فِيمَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ ضَمِنَ وَأَثِمَ، وَلَمْ تَنْفَسِخِ الْمُضَارَبَةُ وَلَوْ عَادَ مِنَ السَّفَرِ، ثُمَّ إِِنْ كَانَ الْمَتَاعُ بِالْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ إِِلَيْهِ أَكْثَرَ قِيمَةً، أَوْ تَسَاوَتِ الْقِيمَتَانِ، صَحَّ الْبَيْعُ وَاسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ مِنَ الرِّبْحِ وَإِِِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا بِالسَّفَرِ، وَيَضْمَنُ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعَ بِهِ مَال الْقِرَاضِ فِي سَفَرِهِ وَإِِِنْ عَادَ الثَّمَنُ مِنَ السَّفَرِ، لأَِنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ السَّفَرُ لاَ يَزُول بِالْعَوْدِ، وَإِِِنْ كَانَ - الْمَتَاعُ هُنَاكَ - أَقَل مِنَ الْقِيمَةِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ إِِلاَّ أَنْ يَكُونَ النَّقْصُ قَدْرًا يَتَغَابَنُ بِهِ.
وَقَالُوا: وَلاَ يُسَافِرُ فِي الْبَحْرِ إِِلاَّ إِِنْ نَصَّ لَهُ عَلَيْهِ لِخَطَرِهِ، فَلاَ يَكْفِي فِيهِ الإِِِْذْنُ فِي السَّفَرِ، نَعَمْ إِِنْ عَيَّنَ لَهُ بَلَدًا وَلاَ طَرِيقَ لَهُ إِِلاَّ الْبَحْرُ - كَسَاكِنِ الْجَزَائِرِ الَّتِي يُحِيطُ بِهَا الْبَحْرُ - كَانَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ فِيهِ وَإِِِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَالإِِِْذْنُ
مَحْمُولٌ عَلَيْهِ، قَالَهُ الأَْذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالْمُرَادُ بِالْبَحْرِ الْمِلْحُ كَمَا قَالَهُ الإِِِْسْنَوِيُّ، وَهَل يُلْحَقُ بِالْبَحْرِ الأَْنْهَارُ الْعَظِيمَةُ كَالنِّيل وَالْفُرَاتِ؟ قَال الأَْذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَقَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ الأَْحْسَنُ أَنْ يُقَال: إِِنْ زَادَ خَطَرُهَا عَلَى خَطَرِ الْبَرِّ لَمْ يَجُزْ إِِلاَّ أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ شُهْبَةَ (1) .
الثَّانِي: مَا لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ عَمَلُهُ إِِلاَّ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ:
34 - يَنْتَظِمُ هَذَا النَّوْعُ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي لاَ تَقَعُ مِنَ التُّجَّارِ عَادَةً وَلاَ يَنْتَظِمُهُ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ بِإِِِطْلاَقِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الاِسْتِدَانَةُ عَلَى مَال الْمُضَارَبَةِ بِشِرَاءِ الْمُضَارِبِ شَيْئًا بِثَمَنِ دَيْنٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ مِنْ جَنْسِهِ، فَلَوِ اسْتَدَانَ الْمُضَارِبُ كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَلَمْ يَجُزْ عَلَى رَبِّ الْمَال، لأَِنَّ الاِسْتِدَانَةَ إِِثْبَاتُ زِيَادَةٍ فِي رَأْسِ الْمَال مِنْ غَيْرِ رِضَا رَبِّ الْمَال، وَفِيهِ إِِثْبَاتُ زِيَادَةِ ضَمَانِ عَلَى رَبِّ الْمَال مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ؛ لأَِنَّ ثَمَنَ الْمُشْتَرِي بِرَأْسِ الْمَال فِي الْمُضَارَبَةِ مَضْمُونٌ عَلَى رَبِّ الْمَال، بِدَلِيل أَنَّ الْمُضَارِبَ لَوِ اشْتَرَى بِرَأْسِ الْمَال ثُمَّ هَلَكَ الْمُشْتَرَى قَبْل التَّسْلِيمِ فَإِِِنَّ الْمُضَارِبَ يَرْجِعُ إِِلَى
__________
(1)) مغني المحتاج 2 / 317، ونهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي 5 / 32 - 235، وروضة الطالبين 5 / 134، وبدائع الصنائع 6 / 88، والإنصاف 5 / 418، والمغني 5 / 41.
الصفحة 58