كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 38)
الْمَالِكَ بِمَال الْمُضَارَبَةِ، أَيْ لاَ يَبِيعُهُ إِِيَّاهُ، لأَِنَّهُ يُؤَدِّي إِِلَى بَيْعِ مَالِهِ بِمَالِهِ، بِخِلاَفِ مَا لَوِ اشْتَرَى لَهُ مِنْهُ بِعَيْنِ أَوْ دَيْنٍ فَلاَ يَمْتَنِعُ لِكَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا فَسْخَ الْمُضَارَبَةِ، وَلِهَذَا لَوِ اشْتَرَى ذَلِكَ مِنْهُ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْمُضَارَبَةِ بَطَل فِيمَا يَظْهَرُ، قَالَهُ الشَّمْسُ الرَّمْلِيُّ، وَلاَ فَرْقَ فِي مَنْعِ بَيْعِ مَال الْمُضَارَبَةِ لِلْمَالِكِ بَيْنَ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْمَال رِبْحٌ أَوْ لاَ.
وَيَجُوزُ لِلْمُضَارِبِ أَنْ يُعَامِل رَبَّ الْمَال بِغَيْرِ مَال الْمُضَارَبَةِ.
وَلَوْ كَانَ لِرَبِّ الْمَال عَامِلاَنِ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْفَرِدٌ بِمَال فَالأَْصَحُّ الْمُعْتَمَدُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأَِحَدِهِمَا الشِّرَاءُ مِنَ الآْخَرِ (1) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ الشِّرَاءُ مِنْ مَال الْمُضَارَبَةِ إِِنْ ظَهَرَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ لأَِنَّهُ شَرِيكٌ لِرَبِّ الْمَال فِيهِ، وَإِِِلاَّ بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ صَحَّ - قَال الْمِرْدَاوِيُّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ - كَشِرَاءِ الْوَكِيل مِنْ مُوَكِّلِهِ، فَيَشْتَرِي مِنْ رَبِّ الْمَال أَوْ مِنْ نَفْسِهِ بِإِِِذْنِ رَبِّ الْمَال.
وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَال أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَال الْمُضَارَبَةِ شَيْئًا لِنَفْسِهِ - قَال الْمِرْدَاوِيُّ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ - لأَِنَّ مَال الْمُضَارَبَةِ مِلْكُهُ، وَكَشِرَاءِ الْمُوَكِّل مِنْ وَكِيلِهِ.
وَنَقَل الْمِرْدَاوِيُّ عَنِ الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 316، ونهاية المحتاج 5 / 231، وبدائع الصنائع 6 / 101.
الصَّغِيرِ: لاَ يَشْتَرِي الْمَالِكُ مِنْ مَال الْمُضَارَبَةِ شَيْئًا عَلَى الأَْصَحِّ (1) .
ب - الْمُرَابَحَةُ فِي الْمُضَارَبَةِ
43 - قَال الْحَنَفِيَّةُ الأَْصْل الْفِقْهِيُّ فِي ذَلِكَ: أَنَّ كُل مَا يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْعَيْنِ - حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا - فَهُوَ بِمَعْنَى رَأْسِ الْمَال، وَيُضَمُّ إِِلَيْهِ، وَكُل مَا لاَ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْعَيْنِ - حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا - فَهُوَ لَيْسَ بِمَعْنَى رَأْسِ الْمَال، وَلاَ يُضَمُّ إِِلَيْهِ، وَإِِِذَا وَجَبَ الضَّمُّ يَقُول الْمُضَارِبُ عِنْدَ بَيْعِهِ مُرَابَحَةً: قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، تَحَرُّزًا عَنِ الْكَذِبِ (2) .
وَقَال الْكَاسَانِيُّ: تَجُوزُ الْمُرَابَحَةُ بَيْنَ رَبِّ الْمَال وَالْمُضَارِبِ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ رَبُّ الْمَال مِنْ مُضَارِبِهِ فَيَبِيعَهُ مُرَابَحَةً أَوْ يَشْتَرِي الْمُضَارِبُ مِنْ رَبِّ الْمَال فَيَبِيعَهُ مُرَابَحَةً، لَكِنْ يَبِيعُهُ عَلَى أَقَل الثَّمَنَيْنِ، إِِلاَّ إِِذَا بَيَّنَ الأَْمْرَ عَلَى وَجْهِهِ فَيَبِيعَهُ كَيْفَ شَاءَ، وَإِِِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لأَِنَّ جَوَازَ شِرَاءِ رَبِّ الْمَال مِنَ الْمُضَارِبِ وَالْمُضَارِبِ مِنْ رَبِّ الْمَال ثَبَتَ مَعْدُولاً بِهِ عَنِ الْقِيَاسِ، لأَِنَّ رَبَّ الْمَال اشْتَرَى مَال نَفْسِهِ بِمَال نَفْسِهِ، وَالْمُضَارِبُ يَبِيعُ مَال رَبِّ الْمَال مِنْ رَبِّ الْمَال إِِذِ الْمَالاَنِ لَهُ، وَالْقِيَاسُ يَأْبَى ذَلِكَ، إِِلاَّ أَنَّا اسْتَحْسَنَّا الْجَوَازَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُضَارِبِ بِالْمَال وَهُوَ مِلْكُ التَّصَرُّفِ، فَجُعِل ذَلِكَ بَيْعًا فِي
__________
(1) كشاف القناع 3 / 415، 516، والإنصاف 5 / 438، 439.
(2) الفتاوى الهندية 4 / 301.
الصفحة 66