كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 38)
أَوَّلاً: نَفَقَةُ الْمُضَارِبِ
47 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي نَفَقَةِ الْمُضَارَبَةِ:
قَال الْكَاسَانِيُّ: يَسْتَحِقُّ الْمُضَارِبُ النَّفَقَةَ بِعَمَلِهِ فِي مَال الْمُضَارَبَةِ عَلَى سَبِيل الْوُجُوبِ، لأَِنَّ الرِّبْحَ فِي الْمُضَارَبَةِ يَحْتَمِل الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، وَالْعَاقِل لاَ يُسَافِرُ بِمَال غَيْرِهِ لِفَائِدَةٍ تَحْتَمِل الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ مَعَ تَعْجِيل النَّفَقَةِ مِنْ مَال نَفْسِهِ، فَلَوْ لَمْ تُجْعَل نَفَقَتُهُ مِنْ مَال الْمُضَارَبَةِ لاَمْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ قَبُول الْمُضَارَبَاتِ مَعَ مِسَاسِ الْحَاجَةِ إِِلَيْهَا، فَكَانَ إِِقْدَامُ الْمُضَارِبِ وَرَبِّ الْمَال عَلَى هَذَا الْعَقْدِ - وَالْحَال مَا ذَكَرَ - إِِذْنًا مِنْ رَبِّ الْمَال لِلْمُضَارِبِ بِالإِِِْنْفَاقِ مِنْ مَال الْمُضَارَبَةِ، فَكَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الإِِِْنْفَاقِ دَلاَلَةً، فَصَارَ كَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُ بِهِ نَصًّا، وَلأَِنَّهُ يُسَافِرُ لأَِجْل الْمَال لاَ عَلَى سَبِيل التَّبَرُّعِ وَلاَ بِبَدَل وَاجِبٍ لَهُ لاَ مَحَالَةَ فَتَكُونَ نَفَقَتُهُ فِي الْمَال.
وَشَرْطُ الْوُجُوبِ خُرُوجُ الْمُضَارِبِ بِالْمَال مِنَ الْمِصْرِ الَّذِي أَخَذَ الْمَال مِنْهُ مُضَارَبَةً، سَوَاءٌ كَانَ مِصْرَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ، فَمَا دَامَ يَعْمَل بِهِ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ فَإِِِنَّ نَفَقَتَهُ فِي مَال نَفْسِهِ لاَ فِي مَال الْمُضَارَبَةِ، وَإِِِنْ أَنْفَقَ مِنْهُ شَيْئًا ضَمِنَ، لأَِنَّ دَلاَلَةَ الإِِِْذْنِ لاَ تَثْبُتُ فِي الْمِصْرِ، وَكَذَا إِِقَامَتُهُ فِي الْحَضَرِ لاَ تَكُونُ لأَِجْل الْمَال، لأَِنَّهُ كَانَ مُقِيمًا قَبْل ذَلِكَ، فَلاَ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ذَلِكَ
الْمِصْرِ، سَوَاءٌ كَانَ خُرُوجُهُ بِالْمَال مُدَّةَ سَفَرٍ أَوْ أَقَل مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنَ الْمِصْرِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَال الْمُضَارَبَةِ لِوُجُودِ الْخُرُوجِ مِنَ الْمِصْرِ لأَِجْل الْمَال، وَإِِِذَا انْتَهَى إِِلَى الْمِصْرِ الَّذِي قَصَدَهُ، فَإِِِنْ كَانَ ذَلِكَ مِصْرَ نَفْسِهِ أَوْ كَانَ لَهُ فِي هَذَا الْمِصْرِ أَهْلٌ سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ حَيْنَ دَخَل، لأَِنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ فِيهِ لاَ لأَِجْل الْمَال، وَإِِِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِصْرَهُ وَلاَ لَهُ فِيهِ أَهْلٌ، لَكِنَّهُ أَقَامَ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لاَ تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ مَا أَقَامَ فِيهِ، وَإِِِنْ نَوَى الإِِِْقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا، مَا لَمْ يَتَّخِذْ ذَلِكَ الْمِصْرَ الَّذِي هُوَ فِيهِ دَارَ إِِقَامَةٍ لأَِنَّهُ إِِذَا لَمْ يَتَّخِذْهُ دَارَ إِِقَامَةٍ كَانَتْ إِِقَامَتُهُ فِيهِ لأَِجْل الْمَال، وَإِِِنِ اتَّخَذَهُ وَطَنًا كَانَتْ إِِقَامَتُهُ لِلْوَطَنِ لاَ لِلْمَال فَصَارَ كَالْوَطَنِ الأَْصْلِيِّ، وَلَوْ خَرَجَ مِنَ الْمِصْرِ الَّذِي دَخَلَهُ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ إِِلَى الْمِصْرِ الَّذِي أَخَذَ الْمَال فِيهِ مُضَارَبَةً فَإِِِنَّ نَفَقَتَهُ مِنْ مَال الْمُضَارَبَةِ حَتَّى يَدْخُلَهُ، فَإِِِذَا دَخَلَهُ: فَإِِِنْ كَانَ ذَلِكَ مِصْرَهُ أَوْ كَانَ لَهُ فِيهِ أَهْلٌ سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ، وَإِِِلاَّ فَلاَ.
وَكُل مَنْ كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ مِمَّنْ يُعِينُهُ عَلَى الْعَمَل فَنَفَقَتُهُ مِنْ مَال الْمُضَارَبَةِ، كَأَجِيرٍ يَخْدُمُهُ أَوْ يَخْدُمُ دَابَّتَهُ، لأَِنَّ نَفَقَتَهُمْ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ، لأَِنَّهُ لاَ يَتَهَيَّأُ لِلسَّفَرِ إِِلاَّ بِهِمْ (1) .
__________
(1) بدائع الصنائع 6 / 105 - 106.
الصفحة 70