كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 38)
وَتَكُونُ نَفَقَةُ الْعَامِل فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ لاَ الْفَاسِدَةِ، لأَِنَّهُ أَجِيرٌ فِي الْفَاسِدَةِ فَلاَ نَفَقَةَ لَهُ، إِِذْ إِِنَّ نَفَقَةَ الأَْجِيرِ عَلَى نَفْسِهِ (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ لِعَامِل الْمُضَارَبَةِ الإِِِْنْفَاقُ مِنْ مَالِهَا عَلَى نَفْسِهِ فِي زَمَنِ سَفَرِهِ لِلتِّجَارَةِ وَإِِِقَامَتِهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَتَّجِرُ فِيهِ وَفِي حَال رُجُوعِهِ حَتَّى يَصِل إِِلَى وَطَنِهِ، وَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ بِشُرُوطٍ:
الأَْوَّل: أَنْ يُسَافِرَ فِعْلاً لِلتِّجَارَةِ، أَوْ يَشْرَعَ فِي السَّفَرِ، أَوْ يَحْتَاجَ لِمَا يَشْرَعُ بِهِ فِيهِ لِتَنْمِيَةِ الْمَال - وَلَوْ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ - مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَرُكُوبٍ وَمَسْكَنٍ وَحَمَّامٍ وَحِجَامَةٍ وَغَسْل ثَوْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ حَتَّى يَعُودَ لِوَطَنِهِ.
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ لاَ نَفَقَةَ لِلْعَامِل فِي الْحَضَرِ، قَال اللَّخْمِيُّ: مَا لَمْ يَشْغَلْهُ عَنِ الْوُجُوهِ الَّتِي يَقْتَاتُ مِنْهَا، أَيْ بِأَنْ كَانَتْ لَهُ صَنْعَةٌ مَثَلاً يُنْفِقُ مِنْهَا فَعَطَّلَهَا لأَِجْل عَمَل الْمُضَارَبَةِ، فَلَهُ الإِِِْنْفَاقُ مِنْ مَالِهَا، قَال أَبُو الْحَسَنِ: وَهُوَ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ.
الثَّانِي: أَنْ لاَ يَبْنِيَ بِزَوْجَتِهِ الَّتِي تَزَوَّجَ بِهَا فِي الْبَلَدِ الَّتِي سَافَرَ إِِلَيْهَا لِتَنْمِيَةِ الْمَال، فَإِِِنْ بَنَى بِهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ لأَِنَّهُ صَارَ كَالْحَاضِرِ، فَإِِِنْ بَنَى بِهَا فِي طَرِيقِهِ الَّتِي سَافَرَ فِيهَا لَمْ تَسْقُطْ.
__________
(1) الدر المختار ورد المحتار 4 / 490، والاختيار 3 / 24.
الثَّالِثُ: أَنْ يَحْتَمِل مَال الْمُضَارَبَةِ الإِِِْنْفَاقَ بِأَنْ يَكُونَ كَثِيرًا عُرْفًا، فَلاَ نَفَقَةَ فِي الْيَسِيرِ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ لأَِجْل تَنْمِيَةِ الْمَال، أَمَّا لَوْ كَانَ سَفَرُهُ لِزَوْجَةٍ مَدْخُولٍ بِهَا وَحَجٍّ وَغَزْوٍ فَلاَ نَفَقَةَ لَهُ مِنْ مَال الْمُضَارَبَةِ، لاَ فِي حَال ذَهَابِهِ وَلاَ فِي حَال إِِقَامَتِهِ فِي الْبَلَدِ الَّتِي سَافَرَ إِِلَيْهَا، وَأَمَّا فِي حَال رُجُوعِهِ فَإِِِنْ رَجَعَ مِنْ قُرْبَةٍ فَلاَ نَفَقَةَ لَهُ، وَإِِِنْ رَجَعَ مِنْ عِنْدِ أَهْلٍ لِبَلَدِ لَهُ بِهَا أَهْلٌ فَلَهُ النَّفَقَةُ، لأَِنَّ سَفَرَ الْقُرْبَةِ وَالرُّجُوعَ مِنْهُ لِلَّهِ، وَلاَ كَذَلِكَ الرُّجُوعُ مِنْ عِنْدِ الأَْهْل.
وَالنَّفَقَةُ بِالْمَعْرُوفِ تَكُونُ فِي مَال الْمُضَارَبَةِ لاَ فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَال، وَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَال نَفْسِهِ رَجَعَ بِهِ فِي مَال الْمُضَارَبَةِ، فَإِِِنْ تَلِفَ فَلاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى رَبِّهِ، وَكَذَا لَوْ زَادَتِ النَّفَقَةُ عَلَى الْمَال لاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى رَبِّهِ بِالزَّائِدِ.
وَلِلْعَامِل أَنْ يَتَّخِذَ خَادِمًا مِنَ الْمَال فِي حَال سَفَرِهِ إِِنْ كَانَ أَهْلاً لأَِنْ يُخْدَمَ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ.
وَلَيْسَ لِلْعَامِل نَفَقَةُ الدَّوَاءِ، وَلَيْسَ مِنَ الدَّوَاءِ الْحِجَامَةُ وَالْحَمَّامُ وَحَلْقُ الرَّأْسِ بَل مِنَ النَّفَقَةِ.
وَلِلْعَامِل أَنْ يَكْتَسِيَ مِنْ مَال الْمُضَارَبَةِ إِِنْ طَال سَفَرُهُ حَتَّى امْتَهَنَ مَا عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتِ الْبَلَدُ الَّتِي أَقَامَ بِهَا غَيْرَ بَعِيدَةٍ، فَالْمَدَارُ عَلَى الطُّول بِبَلَدِ التَّجْرِ، وَالطُّول بِالْعُرْفِ، وَذَلِكَ مَعَ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ.
الصفحة 72