كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 38)
الْقِسْمَةِ قَبْضُ الْمَالِكِ رَأْسَ الْمَال، فَلاَ تَصِحُّ قِسْمَةُ الرِّبْحِ قَبْل قَبْضِ رَأْسِ الْمَال، حَتَّى لَوْ دَفَعَ رَجُلٌ إِِلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ فَرَبِحَ أَلْفًا، فَاقْتَسَمَا الرِّبْحَ وَرَأْسُ الْمَال فِي يَدِ الْمُضَارِبِ لَمْ يَقْبِضْهُ رَبُّ الْمَال، فَهَلَكَتِ الأَْلْفُ الَّتِي فِي يَدِ الْمُضَارِبِ بَعْدَ قِسْمَتِهِمَا الرِّبْحَ، فَإِِِنَّ الْقِسْمَةَ الأُْولَى لَمْ تَصِحَّ، وَمَا قَبَضَ رَبُّ الْمَال فَهُوَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَمَا قَبَضَهُ الْمُضَارِبُ دَيْنٌ عَلَيْهِ يَرُدُّهُ إِِلَى رَبِّ الْمَال حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْمَال رَأْسَ مَالِهِ، وَلاَ تَصِحُّ قِسْمَةُ الرِّبْحِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَبُّ الْمَال رَأْسَ الْمَال، وَالأَْصْل فِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: مَثَل الْمُصَلِّي كَمَثَل التَّاجِرِ لاَ يَخْلُصُ لَهُ رِبْحُهُ حَتَّى يَخْلُصَ لَهُ رَأْسُ مَالِهِ، كَذَلِكَ الْمُصَلِّي لاَ تُقْبَل نَافِلَتُهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ (1) ، فَدَل الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ قِسْمَةَ الرِّبْحِ قَبْل قَبْضِ رَأْسِ الْمَال لاَ تَصِحُّ، وَلأَِنَّ الرِّبْحَ زِيَادَةٌ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الشَّيْءِ لاَ تَكُونُ إِِلاَّ بَعْدَ سَلاَمَةِ الأَْصْل، وَلأَِنَّ الْمَال إِِذَا بَقِيَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ فَحُكْمُ الْمُضَارَبَةِ بِحَالِهَا، فَلَوْ صَحَّحْنَا قِسْمَةَ الرِّبْحِ لَثَبَتَتْ قِسْمَةُ الْفَرْعِ قَبْل الأَْصْل فَهَذَا لاَ يَجُوزُ، وَإِِِذَا لَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ فَإِِِذَا هَلَكَ
__________
(1) حديث: " مثل المصلي كمثل التاجر. . ". أخرجه البيهقي في السنن (2 / 387) من حديث علي بن أبي طالب، وذكر أن فيه راويًا ضعيفًا.
مَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ صَارَ الَّذِي اقْتَسَمَاهُ هُوَ رَأْسُ الْمَال، فَوَجَبَ عَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يَرُدَّ مِنْهُ تَمَامَ رَأْسِ الْمَال (1) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يُقْسَمُ الرِّبْحُ فِي الْمُضَارَبَةِ إِِلاَّ بَعْدَ كَمَال رَأْسِ الْمَال، وَمَا بَقِيَ بَعْدَ تَمَامِ رَأْسِ الْمَال يَكُونُ بِيَدِ رَبِّ الْمَال وَالْمُضَارَبَةُ عَلَى مَا شَرَطَا.
وَقَالُوا: لاَ يَقْتَسِمُ رَبُّ الْمَال وَالْعَامِل فِي الْمُضَارَبَةِ الرِّبْحَ حَتَّى يُنَضَّ رَأْسُ الْمَال، أَوْ يَتَرَاضَيَا عَلَى قَسْمِهِ، لأَِنَّهُ إِِذَا قُسِمَ قَبْل نَضُوضِهِ أَوِ التَّرَاضِي عَلَى قَسْمِهِ قَدْ تَهْلَكُ السِّلَعُ أَوْ تَتَحَوَّل أَسْوَاقُهَا فَيَنْقُصُ رَأْسُ الْمَال، فَيَحْصُل الضَّرَرُ لِرَبِّ الْمَال بِعَدِمِ جَبْرِ رَأْسِ الْمَال بِالرِّبْحِ، وَإِِِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا نَضُوضَهُ فَالْحَاكِمُ يَنْظُرُ فِي تَعْجِيل ذَلِكَ أَوْ تَأْخِيرِهِ، فَمَا كَانَ صَوَابًا فَعَلَهُ، وَتَجُوزُ قِسْمَةُ الْعُرُوضِ إِِذَا تَرَاضَوْا عَلَيْهَا وَتَكُونُ بَيْعًا (2) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: الأَْظْهَرُ أَنَّ الْعَامِل فِي الْمُضَارَبَةِ يَمْلِكُ حِصَّتَهُ مِنَ الرِّبْحِ الْحَاصِل بِعَمَلِهِ بِالْقِسْمَةِ لِلْمَال لاَ بِظُهُورِ الرِّبْحِ، إِِذْ لَوْ مَلَكَ بِالظُّهُورِ لَكَانَ شَرِيكًا حَتَّى لَوْ هَلَكَ مِنْهُ شَيْءٌ هَلَكَ مِنَ الْمَالَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَل الرِّبْحُ
__________
(1) بدائع الصنائع 6 / 107، 108.
(2) التاج والإكليل 5 / 366، والفواكه الدواني 2 / 177.
الصفحة 74