كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 38)

وَوَجْهُهُ أَنَّ الإِِِْذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ رَبِّ الْمَال فَكَانَ الْقَوْل فِي ذَلِكَ قَوْلَهُ.
فَإِِِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لَهُمَا فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْعُمُومِ فِي الاِخْتِلاَفِ فِي الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ لأَِنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةً، وَبَيِّنَةُ مُدَّعِي التَّقْيِيدِ عِنْدَ الاِخْتِلاَفِ فِي الإِِِْطْلاَقِ وَالتَّقْيِيدِ لأَِنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةً فِيهِ وَبَيِّنَةُ الإِِِْطْلاَقِ سَاكِتَةٌ.
وَلَوِ اتَّفَقَا عَلَى الْخُصُوصِ لَكِنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ الْخَاصِّ، فَقَال رَبُّ الْمَال: دَفَعْتُ إِِلَيْكَ مُضَارَبَةً فِي الْبَزِّ، وَقَال الْمُضَارِبُ: فِي الطَّعَامِ. فَالْقَوْل قَوْل رَبِّ الْمَال - بِاتِّفَاقِهِمْ - لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ التَّرْجِيحُ هُنَا بِالْمَقْصُودِ مِنَ الْعَقْدِ لاِسْتِوَائِهِمَا فِي ذَلِكَ فَتَرَجَّحَ بِالإِِِْذْنِ وَأَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ رَبِّ الْمَال.
فَإِِِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً. فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُضَارِبِ لأَِنَّ بَيِّنَتَهُ مُثْبِتَةٌ وَبَيِّنَةُ رَبِّ الْمَال نَافِيَةٌ، لأَِنَّهُ لاَ يَحْتَاجُ إِِلَى الإِِِْثْبَاتِ وَالْمُضَارِبُ يَحْتَاجُ إِِلَى الإِِِْثْبَاتِ لِدَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ، فَالْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَوْلَى (1) .

ثَانِيًا - اخْتِلاَفُ رَبِّ الْمَال وَالْمُضَارِبِ فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَال
57 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِِلَى أَنَّهُ إِِذَا اخْتَلَفَ رَبُّ الْمَال وَالْعَامِل فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَال الْمَدْفُوعِ لِلْمُضَارَبَةِ فَقَال رَبُّ الْمَال: دَفَعْتُ أَلْفَيْنِ، وَقَال الْعَامِل: بَل
__________
(1) بدائع الصنائع 6 / 109، والفتاوى الهندية 4 / 323.
دَفَعْتُ أَلْفًا. فَالْقَوْل قَوْل الْعَامِل، لأَِنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَهُوَ أَمِينٌ، وَلأَِنَّ الْقَوْل فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ لِلْقَابِضِ أَمِينًا أَوْ ضَمِينًا كَمَا لَوْ أَنْكَرَهُ، وَلأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ الْقَبْضِ فَلاَ يَلْزَمُهُ إِِلاَّ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَلأَِنَّ رَبَّ الْمَال يَدَّعِي عَلَيْهِ قَبْضَ شَيْءٍ وَهُوَ يُنْكِرُهُ، وَالْقَوْل قَوْل الْمُنْكِرِ.
وَنَقَل ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ قَوْلَهُ: أَجْمَعَ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُمْ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ أَنَّ الْقَوْل قَوْل الْعَامِل فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَال.
وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ الْحُكْمَ السَّابِقَ بِمَا إِِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَال رِبْحٌ، فَأَمَّا إِِنْ كَانَ فِي الْمَال رِبْحٌ فَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْل قَوْل الْعَامِل، وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، لأَِنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيمَا يَسْتَحِقَّانِ مِنَ الرِّبْحِ فَتَحَالَفَا كَمَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الرِّبْحِ الْمَشْرُوطِ، قَال الشِّيرَازِيُّ: وَالصَّحِيحُ هُوَ الأَْوَّل لأَِنَّ الاِخْتِلاَفَ فِي الرِّبْحِ الْمَشْرُوطِ اخْتِلاَفٌ فِي صِفَةِ الْعَقْدِ فَتَحَالَفَا، كَالْمُتَبَايِعَيْنِ إِِذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَهَذَا اخْتِلاَفٌ فِيمَا قُبِضَ، فَكَانَ الظَّاهِرُ مَعَ الَّذِي يُنْكِرُ، كَالْمُتَبَايِعَيْنِ إِِذَا اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الثَّمَنِ فَإِِِنَّ الْقَوْل قَوْل الْبَائِعِ.
وَأَضَافَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الاِخْتِلاَفُ مَعَ ذَلِكَ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ فَالْقَوْل لِرَبِّ الْمَال فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ فَقَطْ لأَِنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ، وَأَيُّهُمَا

الصفحة 81